الخميس, 27 نوفمبر 2025 12:09 PM

تركيا وأوجلان: تفاصيل لقاء إمرالي وتأثيره المحتمل على السلام واتفاق قسد ودمشق

تركيا وأوجلان: تفاصيل لقاء إمرالي وتأثيره المحتمل على السلام واتفاق قسد ودمشق

تُمثل زيارة وفد برلماني تركي إلى جزيرة إمرالي للقاء عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، خطوة ذات أهمية سياسية ورمزية كبيرة في تركيا. تأتي هذه الزيارة في إطار جهود حثيثة لإدارة ملف معقد يتداخل فيه البُعد الداخلي للقضية الكردية مع التطورات الإقليمية، خاصة في شمال وشرق سوريا.

تتجاوز هذه الزيارة كونها مجرد إجراء شكلي، فهي تمثل عملية سياسية ترتبط بسلسلة من الحسابات الاستراتيجية للدولة التركية، مع الأخذ في الاعتبار الجوانب السياسية الحزبية وعلاقات الأحزاب بالمجتمع المحلي.

زيارة إمرالي: نقطة تحول في المسار الكردي التركي

تُعد زيارة الوفد البرلماني، الذي ضم أعضاء من حزبي الائتلاف الحاكم، العدالة والتنمية (AKP) والحركة القومية (MHP)، بالإضافة إلى حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب (DEM) الموالي للأكراد، علامة فارقة في طريقة تعامل الدولة مع ملف عبد الله أوجلان والجهود السياسية المتعلقة بالقضية الكردية.

خلال الزيارة التي استغرقت حوالي ثلاث ساعات، تم التطرق إلى قضايا حساسة تتعلق بمستقبل التنظيم الكردي في تركيا وتأثيره الإقليمي، بما في ذلك العلاقة مع قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وإدارة الملفات في شمال وشرق سوريا. ووفقًا لمصادر تحدثت لصحيفة "النهار" من داخل حزب "ديم"، فإن النقاط التي طُرحت على أوجلان شملت مواقفه السابقة من "السلام والمجتمع الديموقراطي"، وإمكانية حل "حزب العمال الكردستاني" أو التخلي عن السلاح، بالإضافة إلى الاتفاق الذي تم بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في 10 آذار/مارس في سوريا.

يشير هذا التركيز على القضايا الحساسة إلى أن الهدف من اللقاء كان الحصول على موقف مباشر من أوجلان تجاه القضايا التي تمس مستقبل التنظيم وتأثيره الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع "قسد" والملفات السورية.

تعكس تشكيلة الوفد، التي جمعت أحزابًا ذات توجهات مختلفة، رغبة واضحة في إضفاء غطاء مؤسساتي وبرلماني على العملية، وهو ما كان أحد أهم شروط أوجلان منذ بداية المسار، لإضفاء شرعية سياسية عليه.

على الرغم من أهمية الزيارة، كان الانقسام الحزبي واضحًا، حيث دعمت أحزاب تحالف الشعب الحاكم والحزب الموالي للأكراد هذه الخطوة، بينما امتنعت أحزاب مثل حزب الشعب الجمهوري (المعارضة الأم) وأعضاء تكتل "Yeniyol" (الطريق الجديد) والتيارات اليسارية الأخرى عن المشاركة.

يحمل السجل الرمزي للزيارة أهمية كبيرة، حيث سيتم تدوين كلام أوجلان رسميًا في محاضر البرلمان، مما يمنح اللقاء صفة دستورية ويؤكد اعتراف البرلمان بأوجلان كممثل شرعي للقضية الكردية، بعيدًا عن التصنيفات السابقة مثل "إرهابي" أو "قاتل أطفال".

الصراع الرمزي بين السلطة والمعارضة

اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن قرار اللجنة البرلمانية بشأن زيارة إمرالي خطوة مهمة لتسريع جهود "تركيا بلا إرهاب". وأوضح في تصريحات على متن طائرته العائدة من قمة G20 أن عدم مشاركة حزب الشعب الجمهوري في لجنة الزيارة لا يعيق سير العملية.

يشير موقف أردوغان إلى التزام الدولة التركية بالعملية وحل المسائل الكردية ضمن إطار مؤسساتي، مع إبراز الدور الرمزي للزيارة في تعزيز المصداقية السياسية الداخلية والخارجية.

في المقابل، اختارت قيادة "حزب الشعب الجمهوري" موقفًا حذرًا من خلال قرار عدم المشاركة. وأوضح مرشحه الرئاسي أكرم إمام أوغلو، أن هذا القرار يأتي من حرص الحزب على ألا تستكمل العملية بأساليب لا تحظى بموافقة غالبية المجتمع، مؤكدًا التزام الحزب بحل القضية الكردية ضمن مسار ديموقراطي شامل وجاد وشفاف.

يضع الحزب المعارض شروطًا قبل أي خطوات رمزية، أبرزها ضمان خطوات ملموسة نحو الدمقرطة وإشراك المجتمع بفعالية لضمان شرعية العملية. يعكس القرار حساسية عالية تجاه توقيت الزيارة، خاصة مع قرب انعقاد المؤتمر العام للحزب، وإطلاق برنامج يركز على الحقوق الكردية، والتعليم باللغة الأم، مما يوضح حساسية اتجاه الكتلة الناخبة والاتزان الداخلي.

يؤكد "حزب الشعب الجمهوري" على ضرورة التوازن بين دعم العملية الديموقراطية والمشاركة الفعلية ضمن اللجنة وبين عدم الانخراط في خطوات رمزية قد تؤدي إلى ردود فعل شعبية عكسية.

المسار التركي يؤثر مباشرة على شمال وشرق سوريا

في الوقت الذي يتركز فيه النقاش التركي الداخلي على زيارة إمرالي ولقاء عبد الله أوجلان، يظل الملف السوري محورًا رئيسيًا يتقاطع مع هذه التطورات. تجلى ذلك بوضوح من خلال تصريحات قائد "قسد" مظلوم عبدي، حين أكد أن العملية السياسية الجارية في تركيا تمس أكراد سوريا مباشرة، وأنهم يسعون لأن يكونوا طرفًا داعمًا فيها لا معرقلًا.

وأوضح عبدي خلال لقاء مع وكالة أنباء "ميزوبوتاميا" التركية أن زيارة أوجلان ضرورية لحسم ملفات عالقة بين "قسد" والإدارة التركية، مثل وجود مقاتلين يحملون الجنسية التركية في مناطق الإدارة الذاتية، معتبرًا أن أوجلان وحده قادر على حسم هذه الملفات.

وأشار عبدي إلى أن نجاح العملية في تركيا سيؤدي إلى تعزيز استقرار شمال وشرق سوريا، وتحسين بيئة الدمج القانوني والإداري لقوات "قسد" ضمن الجيش السوري، مذكراً باتفاق 10 آذار/ مارس بين "قسد" ودمشق.

تمثل زيارة إمرالي خطوة محورية، لكن لا تزال هناك تحديات كبيرة لجهة التوازن بين الرمزية والواقعية. فالزيارة مهمة رمزياً، لكنها تحتاج إلى خطوات عملية ملموسة لتعزيز المصداقية الشعبية والثقة بالعملية الديموقراطية. تبرز مواقف الأحزاب المتباينة حساسية القرارات السياسية حول القضية الكردية في الحسابات الداخلية، وأي تقدم في المسار التركي سينعكس مباشرة على شمال وشرق سوريا ومسألة دمج "قسد" وتطبيق الاتفاقات وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

* صحيفة النهار اللبنانية

مشاركة المقال: