شهدت مناطق متفرقة في سوريا، من طرطوس إلى ريفي حماة وحمص، سلسلة من جرائم القتل خلال الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تجدد المطالبات بتفعيل مسارات السلم الأهلي والعدالة الانتقالية. بدأت الأحداث بمقتل أربعة أشخاص في قرية جدرين بريف حماة الجنوبي، حيث ألقت إدارة الأمن الداخلي في حماة القبض على المنفذين لاحقًا. وفي مساء اليوم نفسه، قُتل ثلاثة أشقاء في قرية حيالين بريف حماة الغربي على يد مجهولين ادعوا أنهم تابعون لجهة أمنية. وفي 1 تشرين الأول، اغتيل الدكتور حيدر شاهين، المرشح لعضوية مجلس الشعب، داخل منزله في قرية ميعار شاكر بريف طرطوس. وفي نفس المساء، أفاد مراسل عنب بلدي بمقتل شخصين في قرية عناز في وادي النصارى بريف حمص الغربي.
أثارت هذه الحوادث المتلاحقة نقاشًا حول ضرورة تفعيل مسار العدالة الانتقالية، وضبط السلاح، وإجراء مصالحة وطنية شاملة، مع تقديم المتورطين بجرائم حرب مع النظام السابق إلى العدالة. يتناول هذا التقرير مسارات هذه العملية، معوقاتها، واحتياجاتها.
حوار مجتمعي
يرى فضل عبد الغني، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، صعوبة تحديد خلفية حوادث ريفي حمص وحماة، سواء كانت طائفية أو انتقامية، مؤكدًا على الحاجة إلى تحقيق مستقل في كل حادثة. ويشدد على أهمية قيام الحكومة بـ “ضبط الأمن أكثر”.
وأشار عبد الغني إلى التحديات التي تواجه الحكومة السورية، بما في ذلك الحاجة إلى تدريب العناصر الأمنية لضمان عدم ارتكاب انتهاكات، مع وجود نقص في العدد الكافي من العناصر لضبط الأمن في جميع أنحاء سوريا. ودعا إلى إجراء حوار مجتمعي بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني، وتوسيع أعمال لجنة السلم الأهلي.
لجنة جديدة للسلم الأهلي
طالب عبد الغني بتأسيس لجنة وطنية جديدة للسلم الأهلي، تضم وجهاء وأعيان المجتمع، لإجراء حوارات ورأب الصدع بين الأهالي. وأكد على أهمية أن تكون اللجنة “شبه حكومية ومستقلة عن الحكومة”، لا وفق مراسيم رئاسية.
يذكر أن لجنة السلم الأهلي الحالية تشكلت بقرار من الرئيس السوري، أحمد الشرع، في آذار الماضي، وتضم حسن صوفان، والدكتور أنس عيروط، والدكتور خالد الأحمد. وقد سلط تقرير لـ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الضوء على “أبرز الإشكالات المتعلقة بعمل لجنة السلم الأهلي”، بما في ذلك “تجاوز الصلاحيات القضائية” و “إصدار قرارات بالعفو دون سند قانوني واضح”.
وقدمت “الشبكة” توصيات للحكومة السورية الانتقالية، ولجنة السلم الأهلي، والمجتمع الدولي، بما في ذلك إعداد إطار قانوني متكامل للعدالة الانتقالية، وإعادة تحديد مهام لجنة السلم الأهلي، وضمان استقلالية القضاء.
تفعيل مسار العدالة الانتقالية
يرى نورس العبد الله، الباحث في مركز “الحوار السوري” وخبير العدالة الانتقالية، أن عدم اتخاذ إجراءات أولية، مثل إلقاء القبض على مرتكبي الانتهاكات، يبعث “رسالة سلبية” للمجتمع. ويؤكد على أهمية “شفاء الروح وعلاج الذاكرة” من خلال تطبيق آليات العدالة الانتقالية بشكل يرضي الضحايا.
وأشار إلى أن المصالحة الحقيقية والسلم الأهلي يرتبطان بـ “شفاء الروح وعلاج الذاكرة”، وهذا يحتاج إلى عمل “مضنٍ وطويل”، وذلك عبر تطبيق آليات العدالة الانتقالية بشكل يرضي الضحايا أولًا بغض النظر عن “حجم المساءلة القضائية أو طبيعة العقوبات”.
وكشف ثلاثة مصادر من ريف حمص الغربي لعنب بلدي عن وجود “تسويات مشبوهة” لعدد من المتورطين بانتهاكات، مما دفع البعض للقيام بأعمال “ثأرية خارجة عن القانون”. ودعا المحامي إلى تفعيل مسار العدالة الانتقالية، وضبط السلاح، وإجراء مصالحة وطنية، قائمة على جبر الضرر، وتقديم المتورطين مع النظام إلى العدالة.
ويعتقد الباحث أن المهم فعليًا، هو أن تنطلق “هيئة العدالة الانتقالية” بعمل مباشر ودؤوب على مدار الساعة لجهة التواصل مع شرائح المجتمع وتشكيل فرقها وتحديد رؤيتها وتقديم الرسائل الإيجابية الواضحة.
محاسبة جادة
تهدف “هيئة العدالة الانتقالية”، التي تشكلت بمرسوم من الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.
منظمة “هيومان رايتس ووتش” شددت على ضرورة أن يترافق تعزيز الجهود الأوسع نطاقًا لتحقيق المساءلة الشاملة عن جرائم عهد الأسد وتلك التي ارتُكبت في أعقاب إطاحته، بما في ذلك التعاون المستمر مع الجهود الدولية الرامية إلى دعم العدالة، بما في ذلك الآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة ولجنة التحقيق.
واعتبرت المنظمة، أنه بدون “محاسبة جادة” للماضي، تُخاطر سوريا بترسيخ دورة جديدة من الإفلات من العقاب والعنف الطائفي. وقالت: إن الخيارات المتخذة الآن، في هذه المرحلة الهشة، لن تُشكل شرعية الحكومة الانتقالية فحسب، بل ستُشكل أيضًا مستقبل النسيج الاجتماعي السوري”.