السبت, 11 أكتوبر 2025 12:50 AM

تقرير البنك الدولي: الاستقرار السياسي مفتاح التعافي الاقتصادي في سوريا

تقرير البنك الدولي: الاستقرار السياسي مفتاح التعافي الاقتصادي في سوريا

أكد المهندس باسل كويفي، الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، أن تقرير البنك الدولي يقدم تحليلاً واقعياً للاقتصاد السوري، مشيراً إلى أن التعافي الاقتصادي مرتبط بالاستقرار الأمني والمؤسسي وتخفيف العقوبات الدولية. ورغم التوقعات بنمو متواضع، تظل التحديات كبيرة وتتطلب جهوداً متواصلة لتحقيق تعافٍ مستدام وشامل.

وفي حديثه لـ "الوطن"، أوضح كويفي أن الاقتصاد السوري يشهد تحسناً طفيفاً، لكنه لا يزال هشاً ويعتمد على عوامل مترابطة، مثل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي أشار إليها التقرير، وأهمها: دخل الفرد السنوي، التضخم، معدل الفقر (48.1% من السكان تحت خط الفقر البالغ 4.20 دولارات يومياً)، وعجز الموازنة الذي يقارب 6% من الناتج المحلي الإجمالي، والدين العام الخارجي الذي يبلغ حوالي 104% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأضاف أن حجم الدمار الاقتصادي بعد أكثر من عقد من الصراع أدى إلى تآكل حاد في القاعدة الاقتصادية للبلاد. ولم ينكمش الناتج المحلي إلى النصف فحسب، بل تدمرت القطاعات الإنتاجية التقليدية مثل السياحة والطاقة والتصنيع والزراعة، لتحل محلها زيادة في النشاط الاقتصادي غير الرسمي وغير المشروع مثل تجارة "الكبتاغون" خلال حكم النظام البائد.

وأشار إلى وجود علاقة جوهرية بين التعافي الاقتصادي والعوامل السياسية والأمنية، حيث إن تحسن الوضع الأمني والسلام الأهلي واستقرار المؤسسات يعزز إمكانية التعافي، بينما يؤدي نقص السيولة وتأخر دفع رواتب القطاع العام وانهيار الخدمات الأساسية إلى تفاقم المعاناة الاجتماعية والاقتصادية ويعيق أي تقدم اقتصادي حقيقي.

ويرى الباحث أن مستقبل سوريا الاقتصادي يعتمد، بالإضافة إلى ما سبق، على تقديم رؤى تجمع بين التحديات والفرص في المشهد الحالي، مع إيلاء اهتمام خاص للعلاقات الدولية وتمويل الإعمار، حيث تشهد هذه الجوانب تطورات جديدة. فقد شهدت العلاقات الدولية تحولات ملحوظة بعد التغيير السياسي، ما أثر مباشرة على سياسات العقوبات والمساعدات. وبدأ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بانفتاح مشروط في مرحلة جديدة، حيث عقدت دول أوروبية عديدة وأمريكا اجتماعات مع المسؤولين السوريين، وأعادت بعض الدول مثل ألمانيا وفرنسا فتح سفاراتها في دمشق.

وأوضح أن هذا الانفتاح يتمحور حول دوافع أمريكية وأوروبية، أهمها حل أزمة اللاجئين، والتعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، وإضعاف النفوذ الروسي والإيراني في المنطقة. وتجلى ذلك في تخفيف ورفع بعض العقوبات المفروضة، خاصة في قطاعات النقل والطاقة والمعاملات المالية، واستخدام ذلك كرافعة لدفع عملية الانتقال السياسي قُدماً. ومع ذلك، فإن هذا المسار لا يزال هشاً ويعتمد على استمرار الحكومة السورية في تنفيذ الإصلاحات.

ويرى الخبير الاقتصادي أن دولاً مثل قطر والسعودية وتركيا تقف في مقدمة الداعمين للاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الحرب، وقد قدمت هذه الدول مساعدات واستثمارات ضخمة في قطاعات حيوية كالطاقة والبنية التحتية والاتصالات، تُقدر بنحو 30 مليار دولار (إذا تم تنفيذ مذكرات التفاهم)، بالإضافة إلى مشاريع مهمة في تطوير الموانئ مع شركات فرنسية وإماراتية.

وأشار إلى أن تكلفة الإعمار والتمويل بشكل عام كبيرة وتتجاوز 600 مليار دولار، ولكن الحاجة الملحة تبلغ 36 مليار دولار لخطط البدء في تعافي الاقتصاد السوري، وفقاً لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي الوقت نفسه، قررت الحكومة في سوريا عدم الاستدانة والاعتماد على الموارد الوطنية والاستثمارات الخارجية المباشرة، مع استبعاد الاقتراض من مؤسسات مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي لتجنب الديون الخارجية والشروط المرتبطة بها. فهل هذا يكفي للبدء في إعادة الإعمار؟

وتركز الحكومة على استثمار الموارد الطبيعية، حيث تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط (2.5 مليار برميل) والفوسفات (1.8 مليار طن). إلا أن التحدي يكمن في أن جزءاً كبيراً من هذه الموارد لا يزال خارج سيطرة الحكومة المركزية. وكذلك العمل على الاستفادة من الموقع الجغرافي المهم لتعود سوريا نقطة تقاطع لطرق التجارة بين آسيا وأوروبا، ما يوفر عوائد كبيرة من تجارة العبور والترانزيت والخدمات.

ويتطلب ذلك إصلاحات مالية داخلية، حيث تم الإعلان عن إنجاز قانون مالي أساسي جديد يهدف إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة وشفافية إدارة المال العام. كما أعلن وزير المالية أن موازنة 2026 ستشكل "نقلة نوعية" وستركز على التعليم والصحة ورفع الأجور، مع تمكين القطاع الخاص من قيادة عملية إعادة الإعمار.

وأفاد بأن الفجوة بين الاحتياجات والموارد حالياً، رغم تنوع الموارد السورية، لا تكفي لتلبية الاحتياجات الوطنية الأساسية. فهناك فجوة بين الإنتاج والاحتياج في قطاعات حيوية مثل النفط والغاز، ما يضغط على استقرار الخدمات. وفي الوقت نفسه، يختصر وزير الاقتصاد السوري المشهد بقوله "تعرض كل شيء للدمار".

ولا يزال القطاع الزراعي، الذي كان يشغل أكثر من 20% من القوى العاملة، يعاني من آثار الجفاف ونقص التمويل، حيث انخفضت مساهمته في الناتج المحلي من 28% عام 2010 إلى 10% فقط حالياً.

إن العدالة تتجلى في عودة النازحين واللاجئين كفرصة وتحدّ، وقد أدت التحولات السياسية إلى عودة حوالي 2.6 مليون لاجئ ونازح إلى البلاد. هذه العودة تعتبر محركاً محتملاً للنمو على المدى المتوسط من خلال زيادة قوة العمل والاستهلاك، لكنها في الوقت نفسه تضع ضغطاً هائلاً على البنية التحتية والخدمات الأساسية (كالصحة والتعليم) التي أنهكتها الحرب أصلاً.

بعد مستويات فقر مقلقة على الرغم من بوادر التحسن، لا تزال المؤشرات الاجتماعية صعبة، حيث يعيش ربع السكان في فقر مدقع، ويعيش ثلثا السكان تحت خط الفقر الأدنى للدول متوسطة الدخل. وقد يؤدي الاستقرار الاقتصادي الكلي في تحسن سعر الصرف بسبب عودة المغتربين وتخفيف بعض العقوبات. وقد ساهم ذلك في استقرار أسعار الغذاء نسبياً، ولكن هناك تحديات جذرية تواجه الاستقرار، أبرزها أزمة السيولة النقدية الحادة، واستمرار بعض القيود على التحويلات المالية، وتأخر صرف الرواتب في القطاع العام.

وأضاف قد تكون الفرصة سانحة للتقدم لأن الانفتاح الدولي والإقليمي، coupled with الإصلاحات المالية الداخلية، يخلقان ظروفاً مواتية لم يسبق لها مثيل منذ سنوات لبدء التعافي ولكنها تتطلب إستراتيجية طويلة الأمد. ويبقى النجاح مرهوناً بالاستقرار السياسي. واستدامة أي تعافٍ اقتصادي مرتبطة بشكل عضوي باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية، واستمرار تدفق الاستثمارات الخارجية، ورفع المزيد من العقوبات وتحديث القوانين ومكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة والشفافية.

وخلص بالقول، إن سوريا تقف على أعتاب تعافٍ محتمل، لكن الطريق لا يزال طويلاً وشائكاً. النمو المتوقع بنسبة 1% هو إشارة إيجابية لكنه يبقى غير كافٍ، والرهان الحقيقي هو على استمرار تحسن البيئة الإقليمية والدولية، وفعالية الإصلاحات الداخلية في جذب الاستثمارات وإدارة الموارد.

مشاركة المقال: