انطلقت في رحاب جامعة دمشق فعاليات المؤتمر الدولي العاشر لدراسات الأديان والإنسان، تحت عنوان "التراث العلمي والسياسي في بلاد الشام وأثره في التعايش الحضاري". المؤتمر، الذي تنظمه كلية الشريعة بجامعة دمشق بالشراكة مع وقف "تيماف" (وقف المنتسبين إلى ثانويات الأئمة والخطباء التركية)، يستقطب نخبة من المفكرين والعلماء من مختلف أنحاء العالم.
يهدف المؤتمر، الذي يستمر لمدة يومين، إلى بحث الإرث العلمي والحضاري لبلاد الشام، واستكشاف تأثيره العميق على الفكر الإنساني في مواجهة التحديات المعاصرة. ويتناول المشاركون قضايا جوهرية مثل التعايش والتعدد الديني، وإعادة بناء الفكر والشخصية، والاتجاهات الدينية والفلسفية، بالإضافة إلى التراث الفقهي والبنية الاجتماعية والدينية، ودور التعليم والثقافة في تحقيق السلام الاجتماعي. كما يناقش المؤتمر قضايا السلطة والسياسة والتحول الرقمي، وأهمية حفظ التراث والتاريخ والحضارة والعلوم والحقوق والاقتصاد والتضامن الاجتماعي.
“إحياء القيم الأصيلة”
أكد عبد الرحيم عطون، رئيس المكتب الاستشاري للشؤون الدينية لدى رئاسة الجمهورية، في كلمته الافتتاحية، أن الإسلام، بقيمه الأخلاقية والروحية، يمثل عامل استقرار اجتماعي، ويستوعب التنوع ويمنحه بعداً قيمياً قائماً على العدالة، معتبراً الكرامة الإنسانية حقاً لكل فرد بغض النظر عن انتمائه. وشدد على أن الاستقرار الحقيقي يتحقق مع الدولة القوية عسكرياً والمستقرة أمنياً والمزدهرة اقتصادياً، مؤكداً حاجة المجتمع السوري إلى إحياء القيم الأصيلة والاستمرار في بناء مستقبل يتشارك فيه الجميع بأمن وسلام وكرامة.
“تجذير التعايش الحضاري”
أشار مروان الحلبي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، إلى أن سوريا تشهد نهضة جديدة تؤكد فيها رسالتها الحضارية، وأن الأوطان التي حملت النور لا تطفئها التحديات، بل تنهض بعلمها وتتعافى بقوة شعبها. واعتبر المؤتمر فرصة لاستعادة روح بلاد الشام وفهم الكيفية التي نسجت بها سياساتها وعلماؤها نماذج للتعايش والإدارة والتفاعل الإنساني، مؤكداً أن تجديد دراسات الأديان وتحقيق فهم أعمق للنظم السياسية التاريخية وتحويل التراث إلى موصل للمعرفة، هو طريق تجذير التعايش الحضاري.
” دور محوري لدمشق في بناء الحضارة الإسلامية”
أكد برهان كور أوغلو، القائم بأعمال السفارة التركية، أن بلاد الشام كانت مركزاً للتجارة والعلم والفكر والسياسة، وحاضنة للسلام والدين والفلسفة والطب والعلوم الطبيعية، مشيراً إلى أن النخب والعلماء السوريين أصبحوا رواداً للعلم، وأن تركيا قدمت كل أشكال الدعم للأشقاء السوريين، معتبراً أن المؤتمر سيشكل منصة لتعزيز العيش المشترك وبناء مستقبل مشترك للأجيال القادمة.
أشار الدكتور مصطفى صائم الدهر، رئيس جامعة دمشق، إلى أن دمشق لعبت دوراً محورياً في بناء الحضارة الإسلامية وتصدير العلم والمعرفة وإرساء جسور التواصل الحضاري، مؤكداً التزام الجامعة بنشر العلم الرصين وتآلف القلوب والأفكار، والسعي لاستعادة مكانتها كمنبر حضاري رائد لسورية والمنطقة.
“تظاهرة علمية تعزز وحدة الأمة”
اعتبر الدكتور عماد الدين الرشيد، عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، أن انعقاد المؤتمر بالشراكة مع "وقف تيماف" يعد تظاهرة علمية تجمع بين المعرفة والسياسة والحضارة، مؤكداً أن الكلية ستستمر في رعاية التراث العلمي والسياسي ونشر ثقافة التعايش الوطني والإنساني.
أكد الدكتور سامي بيراقجي، رئيس وقف "تيماف"، أن دمشق تمثل لتركيا ما تمثله إسطنبول، معتبراً أن المؤتمر هو الأهم في تاريخ الوقف، ويشكل جسراً للصداقة والأخوّة، معرباً عن أمله في أن يجسد المؤتمر قيم العدالة والحق ويسهم في تعزيز وحدة الأمة.
” توءمة مع دمشق”
أعلن أوغور إبراهيم ألتاي، رئيس بلدية قونيا، عن قرار البلدية بالتوءمة الرسمية مع دمشق لتعزيز التعاون الثقافي، مؤكداً دعم البلدية للمؤتمر بكل إمكاناتها ليكون منصة لإنتاج أفكار جديدة وخلق أرضية للتعاون وترسيخ القيم الإنسانية.
أكد مصعب بدوي، ممثل محافظ دمشق، أن دمشق جسر للتواصل بين الثقافات، معتبراً أن المؤتمر مشروع نهضة ووعي ووئام يرفع الإنسان، وأن الإسلام جعل العلم وسيلة للفهم والحكمة وسبيلاً للتعايش.
“أسس للتعايش السوري التركي المشترك”
أشار رؤساء جامعات تركية، منهم الدكتور جيم زورلو من جامعة نجم الدين أربكان، والدكتور يوسف آبي كوزل من جامعة الأناضول، والدكتور غولفتين شيليك من جامعة إسطنبول، إلى أهمية دراسة تراث بلاد الشام لفهم كيفية إسهام العلم في بناء مجتمع متماسك وتعزيز قيم العدل والسلام، مؤكدين أهمية الحوار العلمي وتبادل الخبرات لبناء مستقبل أفضل، ومشيرين إلى أن الأتراك والسوريين عاشوا معاً وتبادلوا الثقافات.
حضر افتتاح المؤتمر وزير المالية محمد يسر برنية، ومعاونو وزراء، ورؤساء جامعات سورية وتركية، وعمداء كليات وباحثون وأكاديميون من تركيا ودول عربية وإسلامية، ورجال دين، ومهتمون. و"وقف تيماف" (وقف المنتسبين إلى ثانويات الأئمة والخطباء التركية) هو منظمة تركية تهتم بشؤون خريجي ثانويات الأئمة والخطباء في تركيا وتنظم المؤتمرات والندوات العلمية، ويتعاون مع مؤسسات أكاديمية لتعزيز الأنشطة العلمية، ويصدر نشرات خاصة بالتعليم الديني والاجتماعي.