الثلاثاء, 5 أغسطس 2025 11:59 AM

جراح بريطاني من غزة: الاحتلال يُسلّح شعبًا بالتجويع وأطفال يموتون جوعًا

جراح بريطاني من غزة: الاحتلال يُسلّح شعبًا بالتجويع وأطفال يموتون جوعًا

يكتب البروفيسور نيك ماينارد، الجراح الاستشاري في مستشفى جامعة أكسفورد، بانتظام من غزة منذ 15 عامًا. يتطوع ماينارد مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين في مستشفى ناصر بغزة، وقد نشر شهادةً صادمةً في صحيفة (الغارديان) البريطانية حول الكارثة الإنسانية في القطاع، والتي تداولها نشطاء عرب على نطاق واسع، لفضح وحشية جيش الاحتلال.

في شهادته التي يجب نشرها على أوسع نطاق، يقول ماينارد:

"أكتب هذا من مستشفى ناصر، جنوب غزة، حيث انتهيت للتو من إجراء عملية جراحية لطفلة مراهقة أخرى تعاني من سوء تغذية حاد. في وحدة العناية المركزة للأطفال، ترقد رضيعة عمرها سبعة أشهر، صغيرة الحجم وتعاني من سوء التغذية لدرجة أنني ظننتها مولودًا جديدًا. عبارة (جلد على عظم) لا تنصف ما لحق بجسدها من دمار. إنها تتلاشى أمام أعيننا، ورغم كل جهودنا، لا نستطيع إنقاذها. نشهد الآن تجويعًا متعمدًا في غزة".

ويضيف: "في كانون الثاني (ديسمبر) 2023، عملت كجراح متطوع مع جمعية العون الطبي للفلسطينيين. شهدت حوادث إصابات جماعية، ودققت ناقوس الخطر بشأن سوء التغذية في يناير 2024. لكن لا شيء يهيئني للرعب المطلق الذي أشهده الآن: تسليح شعب بأكمله بالتجويع".

ويتابع: "لقد أصبحت أزمة سوء التغذية كارثية منذ زيارتي الأخيرة. كل يوم أشاهد المرضى يتدهورون ويموتون، ليس بسبب إصاباتهم، بل لأنهم يعانون من سوء تغذية شديد يمنعهم من النجاة من الجراحة. تنهار عمليات الإصلاح الجراحية التي نجريها، ويصاب المرضى بالتهابات خطيرة، ثم يموتون. يتكرر هذا الأمر مرارًا وتكرارًا، ومن المحزن مشاهدته. توفي أربعة أطفال رضع في الأسابيع القليلة الماضية في هذا المستشفى، ليس بسبب القنابل أو الرصاص، بل بسبب الجوع".

ويوضح: "تبذل العائلات والموظفون قصارى جهدهم لإدخال ما في وسعهم، لكن الطعام المتوفر في غزة لا يكفي. أما بالنسبة للرضع، فنكاد لا نملك حليب أطفال. يُعطى الأطفال سكر العنب (ماء سكري) بتركيز 10 بالمائة، وهو عديم القيمة الغذائية، وغالبًا ما تعاني أمهاتهم من سوء التغذية الشديد الذي يمنعهن من الرضاعة الطبيعية. عندما حاول زميل دولي إدخال حليب أطفال إلى غزة، صادرته السلطات الإسرائيلية".

ويشير إلى أن "نهج بنيامين نتنياهو مزدوج: منع دخول الغذاء إلى غزة، وترك المدنيين اليائسين بلا خيار سوى التوجه إلى نقاط التوزيع العسكرية للحصول على بعض الإمدادات المحدودة. حتى أيار (مايو)، كان في غزة أكثر من 400 نقطة توزيع مساعدات، حيث يمكن للناس الحصول على الغذاء بأمان. أما الآن، فلم يتبق سوى أربع نقاط من هذه النقاط العسكرية في الجنوب، حيث تتعرض العائلات الجائعة لخطر الهجوم المستمر".

ويضيف: "أسمع عن عشرات الإصابات التي تتدفق يوميًا على أقسام الطوارئ في غزة، وكثير منها ناجم عن طلقات نارية من نقاط التوزيع العسكرية. أجريت عمليات جراحية لأطفال تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عامًا، يقول أقاربهم إنهم أُصيبوا بالرصاص أثناء محاولتهم الحصول على طعام لعائلاتهم. في الأسبوع الماضي، توفي طفل في الثانية عشرة من عمره على طاولة العمليات، متأثرًا برصاصة اخترقت بطنه، فيما يمكن وصفه بأنه فخ مميت لمن يسعون للحصول على قوت يومهم".

ويتابع: "كما أبلغ زملائي في قسم الطوارئ عن نمط مثير للقلق: حيث تركزت الإصابات على أجزاء محددة من الجسم في أيام مختلفة: الرأس، الساقين، والأعضاء التناسلية، مما يشير إلى استهداف متعمد لتلك الأجزاء من الجسم".

ويوضح: "في الأيام الأخيرة، أجريت عملية جراحية لامرأتين أُصيبتا برصاص طائرات رباعية المراوح أثناء احتمائهما في خيامهما قرب أحد المواقع، وفقًا لمن أحضروهما. كانت إحداهما تُرضع طفلها عندما أُصيبت، بينما كانت الثانية حاملًا. لحسن الحظ، نجتا من إصاباتهما حتى الآن. لم تكن هاتان المرأتان تطلبان المساعدة، بل كانتا ببساطة تحتميان في مناطق يُفترض أنها "آمنة" لكنها معرضة لنيران عشوائية من جهاز الجوع المُجهز بأسلحة الجيش الإسرائيلي".

ويؤكد: "ليس المرضى هنا وحدهم من يعانون من سوء التغذية، بل أيضًا العاملون في مجال الرعاية الصحية. عندما وصلت لأول مرة، بالكاد تعرفت على زملائي الذين عملت معهم العام الماضي، فقد بعضهم 30 كيلوغرامًا من وزنهم. في وقت الغداء، يتجه بعض الأطباء والممرضين إلى مواقع التوزيع، مدركين أنهم يخاطرون بحياتهم، لكن لا خيار أمامهم إن أرادوا إطعام عائلاتهم".

ويضيف: "مستشفى ناصر هو آخر مستشفى رئيسي عامل في جنوب غزة، لكننا نعمل على حافة الانهيار، نعاني من آثار الهجمات السابقة، ونعاني من كثرة الإصابات، كل ذلك في ظل نقص حاد في كل شيء. لقد أدى تدمير نتنياهو الممنهج للنظام الصحي في غزة إلى حصر الاحتياجات الطبية الملحة في هذا المرفق الوحيد، مستهدفًا بشكل مباشر العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى. هذا الأسبوع فقط، قُتل أحد ممرضينا الأعزاء في قسم العمليات في خيمته مع أطفاله الثلاثة الصغار".

ويختتم: "أود أن أكون واضحًا: ما يُرتكب بحق الفلسطينيين في غزة وحشي ويمكن منعه تمامًا. لا أصدق أننا وصلنا إلى مرحلة يتفرج فيها العالم على أهل غزة وهم يجبرون على تحمل الجوع والقصف، بينما المساعدات الغذائية والطبية موجودة عبر الحدود على بعد أميال منهم".

ويحذر: "إن سوء التغذية القسري والهجمات على المدنيين ستودي بحياة آلاف آخرين إن لم تتوقف فورًا. كل يوم من التقاعس يعني موت المزيد من الأطفال، ليس فقط بالرصاص أو القنابل، بل أيضًا من الجوع. إن وقف إطلاق نار دائم، وتدفق المساعدات بحرية وأمان عبر منظومة الأمم المتحدة، ورفع الحصار، كلها أمور ضرورية الآن، وكلها قابلة للتحقيق بالإرادة السياسية".

ويشدد: "إن استمرار تواطؤ الحكومة البريطانية في فظائع إسرائيل أمر لا يطاق، ولا أريد أن أقضي يومًا آخر أجري عمليات جراحية لأطفال أُطلِقَ عليهم النار وجوعوا على يد جيش تدعمه حكومتنا. سيُحاسب التاريخ ليس فقط مرتكبي هذه الجرائم، بل أيضًا من وقفوا متفرجين".

ويختم بالقول: "من داخل مستشفى ناصر، أقول لكم: هذا متعمد. هذا يمكن تجنبه. ويجب أن يتوقف الآن".

مشاركة المقال: