السبت, 23 أغسطس 2025 12:35 AM

حذف الأصفار من الليرة السورية: تحليل الأثر والجدوى في ضوء التجارب الدولية والإصلاح الاقتصادي

حذف الأصفار من الليرة السورية: تحليل الأثر والجدوى في ضوء التجارب الدولية والإصلاح الاقتصادي

مع تزايد الحديث عن نية حذف الأصفار من العملة السورية، تبرز الحاجة إلى مقاربة فنية تتجاوز البعد النفسي أو الشكلي للعملة، وتضع هذا الإجراء في سياقه الاقتصادي الحقيقي. السؤال المطروح: هل يكفي تغيير الرقم المطبوع على الورقة النقدية لتغيير واقع التضخم وتراجع القوة الشرائية؟

إن حذف الأصفار ليس سياسة نقدية جديدة، بل هو إجراء محاسبي يهدف إلى تبسيط الأرقام وتسهيل عمليات التداول والحسابات اليومية. في حالات التضخم المرتفع، تلجأ الحكومات إلى هذه الخطوة لتقليل عدد الأصفار في الفواتير والمعاملات المصرفية. غير أن التجارب الدولية أظهرت أن هذا التغيير لن يترك أثراً جوهرياً على قيمة العملة، ما لم يترافق مع إصلاح اقتصادي شامل يعالج جذور المشكلة.

فالتضخم في جوهره ليس مجرد ظاهرة نقدية، بل هو نتاج اختلال هيكلي بين العرض النقدي والإنتاج المحلي، ما يجعل أي تعديل شكلي عاجزاً عن تغيير الواقع. إلى جانب ذلك، تحمل عملية الحذف أعباء لوجستية ومالية كبيرة، بدءًا من طباعة أوراق جديدة وتعديل البرمجيات والأنظمة المحاسبية وتدريب الكوادر، وصولاً إلى تعديل أجهزة الصرافات، وهي تكاليف إضافية ستقع على كاهل الخزينة العامة.

تشير تجارب دولية عدة إلى أن النتيجة مرهونة بعمق الإصلاح المرافق. ففي تركيا، تم في عام 2005 حذف ستة أصفار بعد سنوات من ضبط العجز وتحقيق نمو في الصادرات، فانعكس الإجراء إيجاباً. وكذلك الأمر في البرازيل عام 1994، حيث ترافقت ولادة الريال الجديد مع خطة اقتصادية متكاملة مكنت البلاد من كبح التضخم وإعادة الثقة بالعملة. أما في زيمبابوي عام 2009، فقد فشل الحذف فشلاً ذريعاً لأنه جرى دون إصلاح اقتصادي حقيقي، فانتهت التجربة بانهيار العملة واللجوء إلى الدولار الأميركي كبديل.

بناءً على ذلك، فالمشكلة لا تكمن في إعادة تصميم العملة، بل في إعادة تصميم الاقتصاد نفسه. والحل الحقيقي اليوم هو رفع الطاقة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية المختلفة، وضبط الإنفاق العام وتخفيض العجز، وبناء بيئة تشريعية وقضائية تستعيد ثقة المجتمع بالقطاع المصرفي. عندها فقط يمكن لأي إجراء نقدي أن يكون خطوة داعمة ضمن مسار إصلاح اقتصادي متكامل.

م.حسان نديم حسن

(موقع اخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: