تشهد محافظة حضرموت شرقي اليمن هدوءًا حذرًا، اليوم الجمعة، بعد مواجهات دامية ومحدودة بين قوات المجلس الانتقالي الجنوبي و"حلف قبائل حضرموت"، أسفرت عن مقتل 10 عناصر من الجانبين. يأتي هذا التصعيد في ظل خرق لهدنة تم التوصل إليها بوساطة سعودية قبل يومين.
هذا التطور دفع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي للتوجه إلى السعودية لبحث تطورات الأوضاع في المحافظة، مع توجيه السلطات الحكومية بتشكيل لجنة تحقيق في الأحداث.
أفادت مصادر عسكرية لوكالة الأناضول بمقتل 4 من قوات المجلس الانتقالي في اشتباكات يوم الخميس مع قوات "حلف قبائل حضرموت" في هضبة المحافظة، مقابل 6 قتلى من الأخير، بالإضافة إلى عشرات الجرحى من الطرفين.
صراع على النفوذ
تأتي هذه الاشتباكات بعد مواجهات محدودة وقعت يوم الأربعاء بين قوات "الانتقالي" وقوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وذلك في سياق صراع النفوذ للسيطرة على المحافظة.
ذكرت المصادر العسكرية أن "قتلى وجرحى وأسرى من قوات المنطقة العسكرية الأولى سقطوا في مواجهات الأربعاء مع قوات الانتقالي في وادي حضرموت"، دون تحديد عدد معين، ولم يصدر تعقيب من الجانبين حول الضحايا.
وأوضحت المصادر أن "حضرموت تشهد اليوم هدوءًا حذرًا، دون وقوع أي مواجهات بين أطراف الصراع".
القوى المتصارعة
تأسس "حلف قبائل حضرموت" عام 2013، ويدعو إلى الحكم الذاتي للمحافظة الواقعة في الجزء الشرقي لليمن على ساحل البحر العربي. وهو كيان خاص بأبناء المحافظة، ولا يتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي ولا للحكومة.
بينما تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017، ويدعو إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله وإعادة الأوضاع إلى ما قبل تحقيق الوحدة اليمنية.
دخل جنوب اليمن وشماله في وحدة طوعية في 22 مايو/أيار 1990، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم حينها وشكاوى قوى جنوبية من "تهميش وإقصاء" أدت إلى عودة الدعوات للانفصال، خاصة مع اندلاع الحرب الأهلية الحالية.
بداية التصعيد
بدأ التوتر يوم الأربعاء، حين أعلن المجلس الانتقالي إطلاق عملية عسكرية باسم "المستقبل الواعد"، قال إنه سيطر خلالها على مناطق وادي حضرموت، وأبرزها مدينة سيئون، التي تضم مطارًا دوليًا يعد من أهم المطارات في البلاد.
وفي إطار عمليته، شنّ المجلس هجمات على المنشآت النفطية بالمنطقة، ما دفع قوات "حلف قبائل حضرموت" للتصدي للهجوم "حرصًا على عدم سقوطها بيد المليشيات الوافدة من خارج حضرموت"، في إشارة إلى قوات الانتقالي، بحسب بيان للحلف.
وساطة سعودية
لاحتواء التوتر، وصل وفد سعودي برئاسة اللواء محمد القحطاني إلى اليمن وعقد لقاءات مع السلطة المحلية (المعينة من العليمي) والأطراف المتنازعة بحضرموت.
وعقب ذلك، أعلنت السلطة المحلية يوم الأربعاء التوصل إلى اتفاق تهدئة بين المجلس الانتقالي الجنوبي و"حلف قبائل حضرموت"، يضمن استئناف الإمدادات النفطية ووقف التصعيد العسكري والإعلامي.
لكن المواجهات تجددت يوم الخميس، وسط اتهامات متبادلة من كلا الطرفين بمسؤولية الآخر عن خرق الهدنة.
حضرموت هي كبرى محافظات اليمن مساحة، إذ تمثل ثلث مساحة البلاد، وتضم نصف طول حدود اليمن مع السعودية، وتنقسم إداريًا وعسكريا إلى منطقتين هما مدن ساحل حضرموت، والمنطقة الثانية مدن وادي وصحراء حضرموت، وتحظى أيضًا بأهمية كبيرة لكونها نفطية.
وبذلك، باتت الحكومة اليوم تسيطر على بعض جنوب اليمن بعد أن كانت تسيطر على أجزاء كبيرة منه وخسرته لصالح المجلس الانتقالي مؤخرًا.
العليمي يتجه إلى السعودية
بعد تجدد الاشتباكات، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي العاصمة المؤقتة عدن (جنوب) إلى السعودية لإجراء مشاورات مع الفاعلين الإقليميين والدوليين بشأن مستجدات الأوضاع المحلية، وفي مقدمتها التطورات الأخيرة في المحافظات الشرقية (حضرموت)، حسب الوكالة اليمنية الرسمية (سبأ).
شدد العليمي، في تصريح نشرته الوكالة ذاتها، على "مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي".
وأعرب عن "رفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية".
ووجه العليمي "بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والأضرار التي طالت المواطنين والممتلكات العامة والخاصة".
"الانتقالي" يستعرض سيطرته على وادي حضرموت
عقب سيطرة المجلس الانتقالي على وادي حضرموت، قام القائم بأعمال رئيس المجلس بالمحافظة، محمد صالح باتيس، بتفقد المواطنين في مدينة سيئون (ثاني أكبر مدن حضرموت بعد المكلا)، وتحدث عن "استمرار القوات المسلحة الجنوبية في تثبيت الأمن بوادي حضرموت".
أفاد المجلس الانتقالي في حضرموت، عبر منشور في منصة "فيسبوك" الأمريكية، بأن "الزيارة جاءت عقب تحرير وادي حضرموت من قوات المنطقة العسكرية الأولى" التابعة للجيش اليمني، على حد تعبيره.
اتهامات متبادلة بخرق الهدنة
بعد أن وجه المجلس الانتقالي الجنوبي، الخميس، اتهامًا لحلف قبائل حضرموت بالهجوم على قواته، أصدر الأخير بيانًا وجه فيه اتهامًا مماثلًا.
وقال الحلف، في بيان اطلعت عليه الأناضول، إنه "حرص على تعزيز أمن واستقرار حقول ومنشآت النفط والقيام بمهام الدفاع عنها وعدم سقوطها بيد المليشيات الوافدة من خارج حضرموت (قوات الانتقالي)".
وتابع: "إلا أن تلك القوى أصرت بعزيمة على إقحام المنطقة في مربع الفوضى والصراع، وهو ما حاولنا تجنبه حفاظًا على الأمن والسكينة وعلى أن لا تصاب المنشآت النفطية بأي ضرر".
وأضاف البيان أنه "في الوقت الذي تم التوصل إلى اتفاق مع قيادة السلطة المحلية لتهدئة الموقف من أي تصعيد بما يشمل انسحاب قواتنا من داخل مواقع النفط، فقد باشرنا من طرفنا خطوات التنفيذ".
وتابع: "قمنا بالانسحاب التدريجي لقواتنا، إلا أن قوات من تلك المليشيات قامت بالهجوم الغادر والمباغت من عدة محاور، واستهداف رجال الحلف في مواقعهم وهم آمنون في وقت سريان الهدنة، وحصلت اشتباكات سقط على إثرها ستة شهداء وأعداد كبيرة من الجرحى من رجال الحلف".
لم يصدر تعليق فوري من المجلس الانتقالي حول البيان، لكن المنطقة العسكرية الثانية في الجيش اليمني (قيادتها موالية للانتقالي) اتهمت، الخميس، قوات "حلف قبائل حضرموت" بالهجوم على قوات النخبة الحضرمية، التي قالت إنها "ردت على الاعتداء وصد الهجوم ما أدى إلى هروب المهاجمين".
بنود اتفاق الهدنة
وفق بيان للسلطة المحلية بحضرموت، يتضمن اتفاق التهدئة "الوقف الفوري للتصعيد العسكري والأمني والإعلامي والتحريضي، واستمرار الهدنة بين الطرفين إلى أن تنتهي لجنة الوساطة من أعمالها والوصول إلى اتفاق كامل بين الطرفين".
كما يتضمن الاتفاق "انسحاب قوات الحلف بدءًا من الثامنة من صباح الخميس، إلى المحيط الخارجي للشركة (المسؤولة عن تشغيل وإنتاج النفط في شركة بترو مسيلة) بمسافة لا تقل عن كيلومتر واحد، وعدم اعتراض الدخول والخروج من وإلى الشركات للمعنيين بأعمال مدنية وعسكرية داخل الشركات".
ويشير هذا الاتفاق إلى "إعادة تموضع قوات حماية الشركات إلى مواقعها السابقة لتأمين الشركات، وعودة موظفي الشركة المسؤولة عن تشغيل وإنتاج النفط في شركة بترو مسيلة، ومزاولة أعمالهم".
ويشمل الاتفاق "انسحاب قوات النخبة الحضرمية إلى مسافة لا تقل عن 3 كيلومترات من مواقعها الحالية وعودتها إلى مواقعها الأصلية عند التوصل إلى اتفاق كامل".