تعيش مدينة “حلب” واقعاً مزدوجاً، حيث يجد السكان أنفسهم في حالة من الانفصام بين الحياة اليومية المليئة بالتحديات والصورة الوردية التي تحاول بعض الجهات تسويقها.
سناك سوري _ زياد محسن
المدينة التي شهدت أشد فصول الحرب وأطولها، ودفعت ثمناً باهظاً من حيث الدمار والقصف الذي طالها من مختلف الأطراف، تحاول التعافي بعد سنوات من المعاناة. أحياء بأكملها تدمرت، وشبابها هاجروا، واقتصادها انهار. ومع ذلك، سعى الحلبيون جاهدين للاستثمار في لحظات الأمل والانتعاش الاقتصادي، دون انتظار خطط طويلة الأمد من “الدولة المركزية”.
مدينة غير آمنة
لكن هذا الاندفاع نحو النشاط الاقتصادي اصطدم بعائق كبير هو غياب الأمن. ففي بداية الأمر، انتشرت عمليات السطو المسلح والخطف، ثم تراجعت بعد استقرار الأمور نسبياً ونشر قوات الأمن العام، وإن كان بأعداد غير كافية لحجم المدينة.
إلا أن الوضع تغير مرة أخرى، فبدلاً من السرقات، بدأت موجة من الاغتيالات وانتشار السلاح العشوائي. وظهرت بيانات من مجموعات مجهولة تدعي انتماءها للثورة وتتوعد باغتيال من تسميهم بـ "فلول النظام". وتحولت هذه التهديدات إلى واقع، حيث شهدت المدينة جرائم قتل بدوافع شخصية يتم إسنادها إلى اتهام الضحية بالانتماء للنظام، ليتم محاسبته بإطلاق النار عليه في الشارع بدلاً من اللجوء إلى القضاء.
المفارقة في “حلب” أن الحياة تبدو طبيعية في الشوارع، لكن هذا الانطباع يتلاشى عندما يشاهد المرء حادثة إطلاق نار عشوائي وسط الزحام، ليؤكد أن المدينة لا تزال غير آمنة.
الواقع الموازي .. الصورة الرسمية
في المقابل، تحاول الحكومة تسويق صورة أخرى عن “حلب”، صورة مليئة بالإنجازات والاحتفالات. ومثال على ذلك فعالية التي أقيمت دون توضيح أسبابها، حيث احتفل الناس دون أن يعرفوا بالضبط سبب الاحتفال. قيل أنه احتفال بانتهاء أعمال صيانة ساحة “سعد الله الجابري”، وقيل أنه لتكريم المشاركين في مبادرة “الوفاء لحلب”، ولكن الأهم هو الاحتفال بحد ذاته.
هذه الصورة التي تحاول الحكومة تصديرها عن “حلب” كمدينة تحتفل وتفرح وتنعم بالاستقرار، لا تعكس الواقع بدقة. ففي نفس الوقت الذي كانت تقام فيه الاحتفالية، شهد حي “” مشاجرة بسبب خلاف مروري، انتهت بتهديد بالسلاح وسط الزحام وبحضور شرطي مرور عاجز عن التدخل.
ناهيك عن قتل شاب في حي “الحمدانية” داخل محل ألعاب “بلاي ستايشن” بسبب انتمائه الطائفي، وهروب الفاعلين الملثمين كما جرت العادة.
هذه المشاهد المتوازية تعكس واقعاً تحاول الحكومة إخفاء الوجه القبيح للانفلات الأمني فيه، بينما يركز الإعلام الرسمي على نشر صور الاحتفالات والإنجازات.
بالطبع، لا تقتصر أزمات “حلب” على الأمن فقط، بل تتعداها إلى مشاكل خدمية مثل النظافة وفوضى السير وأزمة المياه وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة وانقطاعات الإنترنت المتكررة.
ربما تلخص “حلب” حال مدن سورية أخرى تعيش بوجهين: وجه رسمي يشكر الحكومة وإنجازاتها، ووجه آخر كامن في التفاصيل اليومية التي لا تظهر في الإعلام الرسمي، لكن المواطن يعيشها ويعرف أن الحزن في عينيه أصدق من الفرح أمام الكاميرات.