في خضم الهجمة الإلكترونية الشرسة التي تتعرض لها الصحفية والناشطة النسوية “فرح يوسف”، والتي اتخذت شكل حملة تشهير وتحريض وشتائم استهدفت شخصها ومواقفها، ظهر تيار واسع من التضامن معها، تجسد في دعم من كتاب وصحفيات وناشطين وحقوقيين من داخل سوريا وخارجها. هذا التضامن لم يكن مجرد دفاع عن شخص، بل رفضاً جماعياً لأسلوب متكرر في استهداف النساء اللواتي يعبرن عن آرائهن بحرية في الفضاء العام.
سناك سوري-دمشق
بين حملات الإسكات الممنهجة وردود الفعل التضامنية التي تصر على حماية الحق في التعبير، تبرز قضية فرح اليوم كمؤشر جديد على الصراع المستمر حول حرية الكلمة، خاصة عندما تصدر من امرأة.
أصل القضية
“فرح يوسف” هي صحفية وناشطة سياسية ونسوية من مدينة حلب، معروفة بمواقفها الجريئة والداعمة لحقوق الإنسان في سوريا، دون تمييز بين الضحايا أو انحياز لطرف دون آخر. عبر منصاتها الإعلامية وظهورها على محطات عربية وأجنبية، حرصت دائماً على نقل صوت المظلومين ومساءلة جميع أشكال القمع والانتهاك، بغض النظر عن مصدرها. هذا الحضور العلني والموقف الواضح جعلا منها هدفاً للتحريض المستمر، والذي بلغ في الأيام الأخيرة مستوى غير مسبوق من العنف اللفظي والتجريح الشخصي، على خلفية انتقادها للسلطة الحالية. تجدر الإشارة إلى أن الناشطة النسوية تعيش في فرنسا منذ مغادرتها سوريا بسبب مواقفها المعارضة لنظام “بشار الأسد”.
الباحث أحمد نزار أتاسي: التضامن لا يكفي وحده، بل يجب محاربة التشهير والتنمر والتعدي اللفظي والانتهاك الجسدي والجنسي، وكذلك الاستهداف الجندري الذي تتعرض له بعض معارضي الحكومة الحالية، خاصة النساء الناشطات.
مقالات ذات صلة
تعرضت فرح لسيل من الشتائم والتهديدات والتعليقات المليئة بالكراهية، لمجرد أنها تجرأت على الكلام وتمسكت بموقف مستقل. وما يزيد من فداحة هذا الهجوم هو أن البعض لم يتردد في استخدام الشتائم الطائفية التحريضية لاعتقادهم أنها تنتمي إلى طائفة مختلفة.
ما يحدث مع فرح يتجاوز شخصها ويتعدى الاختلاف الطبيعي في الآراء إلى اعتداء صريح على حق النساء في التعبير وفي الوجود السياسي والاجتماعي المستقل. ترى الكثير من الناشطات النسويات أن القضية هنا ليست فردية، بل تعبير عن رغبة المجتمع الذكوري ومحاولاته لإسكات صوت المرأة، ليس بالنقاش الحر، بل بالترويع والتشهير والمساس بالكرامة.
حملة تضامن واسعة
على الرغم من العنف الرقمي الذي تتعرض له، لم تُترك فرح وحدها، حيث سارع الكثير من الرجال والنساء للتضامن مع حقها في الكلمة، انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن حق الجميع في حرية الرأي دون التعرض للعقاب بسبب الموقف.
حيث قال الكاتب والباحث أحمد نزار أتاسي في منشور له عبر الفيسبوك، إنه متضامن مع “فرح يوسف”، «في نضالها من أجل حق التعبير عن الرأي، حق المعارضة للحكومة القائمة في سوريا حاليا، الحق في رفض ذكورية اي حكم، الحق في النضال من أجل تحرر المرأة السورية من قيود التقاليد والعقلية الابوية، الحق في ظهور المرأة في الفضاء العام دون تحرش، الحق في المطالبة بحق النساء في التمثيل السياسي، الحق في أن تكون المرأة متميزة على أقرانها من الرجال وأفضل منهم بمراحل في مضمار عملها».
واعتبر “أتاسي” أن التضامن لا يكفي وحده، بل يجب محاربة التشهير والتنمر والتعدي اللفظي والانتهاك الجسدي والجنسي، وكذلك الاستهداف الجندري الذي يتعرض له بعض معارضي الحكومة الحالية، خاصة النساء الناشطات.
الصحفية علياء احمد: السلطة الذكورية ترتعب من المرأة الحرة الخارجة عن النص، التي تكتب، وتصرخ فاضحة كل انتهاك وعنجهية، تخاف من المرأة التي تحب، وتفكر، وترقص، وتعيش حرة.
وأضاف أن تضامنه مع “فرح” يأتي من باب الإيمان المطلق بالدور الجوهري والبنيوي للنساء في هذه المرحلة، وقال: «قضية بناء ثقافة وممارسات سياسية جيدة في سوريا، وقضية ضرورة وجود معارضة سياسية، وضرورة وجود أصوات تطالب بالتغيير الثقافي والاجتماعي الى جانب التغيير السياسي، كلها قضايا تتطلب مشاركة النساء على كل المستويات وفي أدوار قيادية».
السلطة الذكورية لا تخشى المرأة الصامتة!
الصحفية علياء أحمد قالت إن السلطة الذكورية لا تخشى المرأة الصامتة، ولا تلك التي تردد صدى العقلية المهيمنة، واعتبرت في منشور لها أن «السلطة الذكورية ترتعب من المرأة الحرة الخارجة عن النص، التي تكتب، وتصرخ فاضحة كل انتهاك وعنجهية، تخاف من المرأة التي تحب، وتفكر، وترقص، وتعيش حرة».
وتابعت: «لستِ وحدكِ يا فرح، لن تُكسر امرأة تقف خلفها نساء لا يُعدَدن، متضامنات، واعيات، لا ينسين ولا يُسكتن، ورجال يؤمنون بأن الشراكة مع النساء الحُرات تصنع طريقًا أقوى نحو التغيير. لا عزاء لسلطةٍ ترتعد من النساء الشجاعات صانعات المستقبل. بدورها عبرت الممثلة والمخرجة المسرحية نورا مراد عن تضامنها مع فرح يوسف، واستنكرت في منشور لها «التدني الأخلاقي اللي عم يتجابه فيه أي حدا عم يقول رأيو بصراحة ووضوح وقوة، وللصمت المعيب للمنظمات النسوية و المدنية اللي ما عم تعمل البديهي بشغلا ولعدم تطبيق قانون الجرائم الالكترونية اللي عم يسمح بالهجوم على الناس والصحفيين و النساء تحديدا بدون رادع و لا محاسبة».
بينما قال المخرج المسرحي زياد عدوان إنه لم يستغرب سكوت المنظمات والحركات النسوية، بالنسبة له لا يعوّل على تجمعات الهوية سواء كانت قومية أو جندرية وعرقية ودينية، لا يعوّل عليها، واعتبر في منشور له أن خطاب الكراهية والإقصاء المنتشر حالياً مترافق مع التطبيل لخطاب الهويات.
وأضاف: «للتأكيد، الهجمات يلي عم تشتم فرح بالعموم هي كلها مسبات مرتكزة على الهويات… الموضوع فعلاً خطير لأن السكوت عن هي السفاهات ممكن فعلاً يكون مؤذي لفرح بأي مكان عايشة فيه من واحد أو واحدة مفتونين بالهويات ومعتبرين إنه هويتهم بتسمح بالأذى يلي ما عنده حدود بتطرفه، وممكن يوصل لأضرار حقيقية من بينها الأذى الجسدي».
ما تتعرض له الصحفية والناشطة فرح يوسف يطرح أسئلة عميقة حول حدود حرية التعبير، ومقدار التسامح المجتمعي مع الأصوات الخارجة عن السائد، لا سيما حين تكون هذه الأصوات نسائية ومستقلة.
بعيداً عن الشخصنة، تبقى القضية اليوم فرصة لاختبار مدى استعداد الفضاء العام ومن فيه للدفاع عن مبدأ، لا عن فرد، وعن حق لا عن حالة، في زمن تتصاعد فيه حملات التشهير والتخوين، يصبح الموقف، ولو بكلمة، شكلًا من أشكال الحماية، ليس لفرح وحدها، بل لكل من قد يكون/تكون الهدف التالي.