الجمعة, 26 سبتمبر 2025 08:38 PM

درعا بين مطرقة التحريض وسندان الانفصال: تداعيات أزمة السويداء ومخاطر مشروع "ممر داوود"

درعا بين مطرقة التحريض وسندان الانفصال: تداعيات أزمة السويداء ومخاطر مشروع "ممر داوود"

تواجه محافظة درعا تحديات متزايدة، حيث تجد نفسها محاصرة بين أزمة السويداء في الشرق والتوغلات الإسرائيلية في الغرب. هذه التطورات تلقي بظلالها على الحياة اليومية والاقتصاد والوضع الاجتماعي في المحافظة، خاصة مع استمرار الحديث عن "ممر داوود" الذي يمر عبر حوران.

مع استمرار التوتر بين محافظة السويداء وحكومة دمشق للشهر الثاني على التوالي، تسعى أطراف مختلفة إلى جر محافظة درعا المجاورة إلى دائرة الصراع، من خلال حوادث أمنية وحملات إلكترونية تستهدف المحافظة وتتهمها بالمشاركة في العمليات العسكرية في السويداء. تقود هذه الحملات حسابات وهمية وشخصيات عامة تدعم الشيخ حكمت الهجري، رئيس الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، الذي يقود موقف السويداء المعارض لدمشق. تسعى هذه الحسابات إلى "شيطنة درعا" وزعزعة استقرارها، على الرغم من أن المحافظة لم تتعاف بعد من تداعيات الحرب التي استمرت لأكثر من 14 عامًا.

تبرز فكرة "ممر إنساني" بين السويداء وإسرائيل عبر درعا، وهو ما يتماشى مع مشروع إسرائيلي يعرف باسم "ممر داوود"، وهو شريط جغرافي ضيق يبدأ من مرتفعات الجولان المحتلة، مروراً بمحافظتي درعا والقنيطرة، ثم يتسع في محافظة السويداء، ويدخل البادية السورية باتجاه منطقة التنف وصولاً إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

في منتصف تموز/ يوليو، شهدت السويداء أحداثًا دامية نتيجة مواجهات عسكرية بين البدو والدروز، تطورت لاحقًا إلى عمليات واسعة بعد دخول العشائر من بقية المحافظات السورية إلى جانب البدو. وبينما تدخلت القوات الحكومية لفض الاشتباك، اعتبر أهالي السويداء أن دمشق تدخلت بهدف السيطرة على المحافظة بالقوة، ما أدى إلى جولة جديدة من المواجهات.

حملات منظمة!

زعمت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، بعضها لشخصيات معروفة، انخراط أهالي درعا بشكل مباشر في العمليات العسكرية ضد السويداء، لا سيما بعد محاولة الحكومة السورية الدخول كقوات فض اشتباك بين الدروز والبدو، وما تبعها من انسحاب القوات الحكومية ودخول مجموعات عشائرية تحت اسم "فزعة العشائر".

على سبيل المثال، أشار ماهر شرف الدين، وهو كاتب سياسي مشهور مقرب من الهجري، بشكل متكرر إلى محافظة درعا وانخراطها في أزمة السويداء. اتهم في منشور له أهالي درعا في المشاركة بـ"المذبحة" في السويداء، مؤكدًا أن بلدة أم ولد بريف درعا الشرقي فقدت 400 قتيل من أبنائها، الذين شاركوا لصالح دمشق ضد السويداء. تعليقًا على ذلك، نفى الصحفي محمد الرفاعي، ابن بلدة أم ولد، صحة هذه الادعاءات، مؤكدًا عدم مقتل أي شاب من أبناء البلدة في أحداث السويداء.

في منتصف الشهر الماضي، نشرت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي من السويداء منشورًا موقعًا من أشخاص من عائلات درعا، مثل: الحريري، المسالمة، والزعبي، يدعون فيه أهالي حوران لمواجهة الحكومة والرئيس أحمد الشرع. ومع ذلك، لم يتم العثور على أي حسابات بهذه الأسماء، مما يشير إلى أن الأسماء وهمية والمنشور لا أساس له من الصحة.

وبحسب الصحفي الرفاعي، فإن مضمون المنشور وتوقيته يأتي في إطار "حملة تضليل ممنهجة تقودها حسابات وهمية وحسابات لمشاهير من أبناء السويداء تحاول تحميل درعا، ولاسيما قراها الحدودية مع السويداء مسؤولية الهجوم على السويداء"، مشددًا على أن "المعلومات مضللة" و"تحمل أهدافًا عنصرية وتحريضًا طائفيًا، وقد يكون لها أهداف أخرى بعيدة المدى".

على عكس الصورة التي يُراد أن تتصدر عن درعا، قدمت المحافظة "مبادرتين من أجل رأب الصدع مع جارتها السويداء وتجاوز الأزمة الأخيرة، لكنهما قوبلتا بالرفض من الطرف السويداء"، كما قال الصحفي حمزة الفهيد.

في مطلع آب/ أغسطس، أطلقت مجموعة من الوجهاء والناشطين في محافظة درعا حملة إعلامية تحت عنوان "السويداء في قلب سوريا" و"السويداء سورية"، بهدف مواجهة تصاعد خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، والتحذير من مخاطر مشاريع التقسيم والتغيير الديموغرافي. وقبلها بأيام، أطلقت شخصيات اجتماعية من مختلف المكونات السورية ما أسمته "المبادرة الأهلية السورية" لحل الأزمة في السويداء.

لا ينكر أبو محمد، أحد وجهاء إنخل شمال درعا، مشاركة أشخاص من مدينته في المواجهات ضد السويداء، لكن "عددهم لا يتجاوز 20 شخصًا، خرجوا بشكل فردي، وهم لا يمثلون مدينتهم ولا حتى عائلاتهم"، مستنكرًا ورافضًا تعميم الحالات الفردية على المحافظة برمّتها. ويضيف أن الممر الإنساني للسويداء طيلة الأسابيع الماضية كان يمرّ عبر درعا دون أي اعتراض من أبناء المحافظة.

ومع ذلك، شهدت المحافظة مؤخرًا عدة عمليات خطف بحق أهالي السويداء الذين مرّوا عبر الطريق الإنساني الواصل إلى المحافظة من درعا. ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، عصمت العبسي، أن المشكلة أكبر من المحافظتين الجارتين، لأن "إسرائيل هي المستفيد من تصعيد التوتر في الجنوب السوري وفصل السويداء مجتمعياً عن باقي سوريا"، إضافة إلى "فلول النظام البائد المنضوين ضمن بعض الفصائل الدرزية، وأطراف خارجية أخرى".

حوادث مشبوهة!

في 26 آب/ أغسطس، قُتل الشاب دهام مناور أبو الخيل، بعد استهدافه من قبل مجهولين على الطريق الواصلة بين بلدتي المسيفرة والكحيل بريف درعا الشرقي، وهو من أبناء عشائر البدو، الذين هُجّروا من السويداء إلى درعا مؤخرًا. ومن ناحية أخرى، أطلق مسلحون سراح مجموعة من النساء والأطفال الدروز في 22 آب/ أغسطس، بعد خمسة أيام من اختطافهم، بالقرب من بلدة كحيل شرق درعا، خلال توجههم من بلدة صحنايا بريف دمشق إلى السويداء.

شهدت مناطق ريف درعا الشرقي المحاذية للسويداء خلال الأسابيع الأخيرة عدة عمليات قتل وخطف طالت مدنيين من أبناء السويداء، من بينهم عمال إنسانيون، وقد شهدت المحافظة في ذروة الأحداث الدامية عمليات قتل وخطف من الجانبين. ويعزو الصحفي الفهيد عمليات الخطف التي حصلت بحق مدنيين من الدروز إلى أشخاص من أبناء عشائر بدو السويداء، الذين لديهم محتجزين عند المجموعات الدرزية في السويداء، ويطالبون منذ شهر ونصف بالإفراج عنهم.

بغض النظر عن هدف عمليات الخطف والاستهداف هذه، فإنها "تخريبية وغير مقبولة"، لأن "الذين يخرجون من المعبر الإنساني هم مدنيون وغالبيتهم بحاجة إلى علاج، ولهم حق التنقل"، لذا "كل من يقوم بهذه الأفعال هو مخرب يلحق الضرر بالنسيج السوري".

تداعيات أزمة السويداء على درعا

خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، زار أبو خالد، وهو مستثمر سوري مقيم في الأردن، مدينته إنخل شمال درعا عدة مرات بغرض استكشاف الواقع الجديد للمدينة وترميم منزله، وافتتاح مشاريع استثمارية صغيرة في المدينة. لكن في الأسبوع الماضي، ألغى أبو خالد فكرة عودة العائلة إلى سوريا للاستقرار، بسبب "توتر الوضع الأمني في جنوب سوريا".

ويضيف أبو خالد أن "المشاكل في السويداء والتدخل الإسرائيلي انعكست بشكل مباشر على السوق في درعا، ولاحظت نوعاً من الانكماش في السوق مؤخراً، وهذا طبيعي فالناس تخاف أن تطرح أموالها في بيئة غير مستقرة أو مجهولة المستقبل".

وفي ريف درعا الشرقي، تراجعت أرباح محمد الحريري، الذي يملك متجراً لبيع المفروشات المنزلية إلى النصف في أعقاب أزمة السويداء بعد انتعاش واضح لمسه منذ سقوط النظام البائد. ويشير إلى أن المنطقة تشهد ضغطاً على الخدمات وارتفاع أسعارها بعد وصول آلاف المهجرين من عشائر بدو السويداء إلى المنطقة.

ويؤكد الصحفي الفهيد أن أكثر من 15 قرية في ريف درعا الشرقي الملاصق للسويداء تأثرت بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن العلاقة بين المحافظتين تاريخية وكان هناك تعايش بينهما. ورغم تأثر هذه القرى اقتصادياً، فإن "الأثر النفسي على درعا هو الأكبر اليوم، خاصة بعد مطالبة بعض أبناء السويداء بدخول الاحتلال الإسرائيلي" إلى الجنوب السوري.

تعيش درعا بين "توتر أمني وخطر التوغلات الإسرائيلية من الجهة الغربية، وأزمة أمنية في شرقها"، وهو ما تسبب في "تأخير الخدمات في درعا نتيجة هذه الحالة الأمنية، التي انعكست كذلك على الوضع الاجتماعي والاقتصادي"، بحسب الخبير العسكري العبسي. مشيراً إلى أن "المجتمع المحلي في درعا بالتعاون مع وزارتي الداخلية والدفاع يعملون على تذليل الصعوبات وعودة الحياة الطبيعية للجنوب السوري".

اعتقلت القوات الإسرائيلية، في ساعة مبكرة من فجر اليوم، سبعة أشخاص، خلال عملية توغل داخل بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة، جنوب سوريا، كما ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا). إضافة إلى ما سبق فإن “حالة البروباغندا الإعلامية الموجهة ضد درعا، التي تعمل على صناعة حرب نفسية وإعلامية من قبل الذباب الإلكتروني تؤثر سلباً على المحافظة بكل مناحي الحياة فيها، فقبل أيام كانت هناك حملات ممنهجة تزعم أن التوغلات الإسرائيلية وصلت في عمق درعا وأن المحافظة سقطت بيد الاحتلال”.

مستقبل درعا على ضوء الكلام عن الانفصال

في 25 آب/ أغسطس، طالب الشيخ حكمت الهجري في فيديو بـ"إعلان إقليم منفصل" للطائفة الدرزية في جنوب سوريا، وذلك أثناء استقبال القائد الجديد لحركة رجال الكرامة، مزيد خداج، الذي أعلن انضمام الحركة إلى ما يسمى "الحرس الوطني".

تتزامن هذه التحركات مع تظاهرات السويداء التي ترفع شعارات مطالبة بـ"حق تقرير المصير" وتدعو إلى الانفصال عن سوريا ودخول القوات الإسرائيلية، وتطالب بفتح ممر إنساني يربط إسرائيل بالسويداء مروراً بدرعا والقنيطرة، وهو طرح يتوافق مع مشروع إسرائيلي يعرف باسم "ممر داوود".

في الوقت الذي حشدت العشائر العربية دعماً للبدو في السويداء، "نأت درعا بنفسها، وكانت تراقب الجبهة الغربية وخطر الاحتلال الإسرائيلي"، لاسيما مع الشائعات المستمرة عن اقتراب تنفيذ مشروع ممر داوود، "الذي لو حصل سوف يقسم درعا إلى نصفين شمالي وجنوبي".

من جهته، استبعد المحلل العسكري العبسي إمكانية تنفيذ ممر داوود على أرض الواقع، معتبراً أنه "خيال وحلم، ولا يمكن لإسرائيل تنفيذه"، خاصة بعد تدخل تل أبيب في السويداء، "واستهداف مسيراتها أبناء حوران من الأمن العام والجيش أثناء تأديتهم الواجب الوطني، ما يعني أن العداء لإسرائيل سيكون مضاعفاً".

ويختتم الرفاعي بالقول: "أهالي درعا ينظرون إلى مشروع التقسيم وممر داوود على أنه خطر يهدد وجودهم، ولن يكونوا متفرجين حيال ذلك".

مشاركة المقال: