الجمعة, 24 أكتوبر 2025 11:40 AM

سارة الرزوق تحيي ذاكرة السقيلبية: متحف شخصي يحفظ تراث المدينة العريق

سارة الرزوق تحيي ذاكرة السقيلبية: متحف شخصي يحفظ تراث المدينة العريق

في ركن هادئ من مدينة السقيلبية بريف حماة الغربي، تحتفظ سارة الرزوق (80 عاماً) بكنز ثمين داخل غرفة صغيرة في منزلها. هذه الغرفة ليست كباقي الغرف، فهي بمثابة متحف يضم ذكريات المدينة، مجسدة في لوحات ومجسمات تراثية صنعتها يداها على مر العقود.

هذا المتحف الشخصي الذي أنشأته سارة، هو وعاء حي لتراث السقيلبية، يحفظه من الضياع وينقله للأجيال القادمة. بدأت سارة مشروعها التراثي منذ عقود، مستخدمة أدوات بسيطة ومعرفة اكتسبتها من بيئتها. لم تنتظر دعماً رسمياً أو مساعدة من المؤسسات، بل عملت بمفردها، في الليل بعد أن ينام أطفالها، لتبدأ رحلة بناء مجسمات تجسد الحياة اليومية في السقيلبية قبل عقود: بيوت الطين، أدوات الزراعة اليدوية، ملابس النساء المطرزة يدوياً، طقوس الأعراس، وأجواء المواسم الزراعية.

كل قطعة في الغرفة تحكي قصة: مجسم لامرأة تخبز الخبز على التنور، وآخر لرجل يحرث الأرض بمحراث خشبي، وثالث يصور سوقاً شعبياً بألوانه وأصواته. لم تكتفِ سارة بالبناء، بل اهتمت بالتفاصيل الدقيقة: الخيوط المستخدمة في التطريز، ألوان الأقمشة، وحتى طريقة ترتيب الأواني في المطبخ القديم. كل ذلك يعكس وعياً دقيقاً بالهوية المحلية، وحرصاً على نقلها بأمانة.

تقول سارة، التي تصف نفسها بـ "فنانة السقيلبية" في حديث لمنصة سوريا 24: "أحببت أن أعيد تراث السقيلبية حتى يرى الجيل الجديد كيف كان أجدادنا يعيشون". وتضيف: "ما يهمني هو أن يعرف أولادنا أن أجدادهم كانوا يعرفون كل شيء في هذه الحياة، وكانوا على درجة عالية من الذكاء والابتكار".

رغم تقدمها في السن، لم تتوقف سارة عن العمل. تبدأ عملها في الساعة الثامنة مساءً، بعد أن تنتهي من تدريس أطفالها القراءة والكتابة، وتواصل حتى ساعات الفجر الأولى، خاصة في مراحل إنجاز الملابس التراثية التي تتطلب دقة في الخياطة والتطريز. وتشير إلى أن ابنها وحفيدتها يساعدانها أحياناً، لكن جوهر العمل ظل فردياً، نابعاً من إصرارها الشخصي.

اليوم، أصبحت غرفتها الصغيرة مقصداً محلياً. يزورها أهالي السقيلبية، خصوصاً الشباب، للتعرف على تفاصيل لم يروها في كتب الدراسة. ويشير سكان المدينة، حسب مراسل منصة سوريا 24 في حماة، إلى أن سارة هي أول امرأة في المنطقة تقوم بهذا النوع من الحفاظ على التراث عبر الفن التشكيلي والمجسمات.

لا تحمل الغرفة لافتة ولا تمول من جهة رسمية، لكنها تؤدي وظيفة متحف حقيقي: حفظ الذاكرة، وربط الحاضر بالماضي، وتعليم الأجيال القادمة أن التراث ليس مجرد ذكريات، بل معرفة عملية وقيم اجتماعية تستحق البقاء. في زمن تتسارع فيه التغييرات ويتلاشى فيه الكثير من العادات، تبقى سارة الرزوق شاهدة على عصر، وحارسة لذاكرة لم تكتب، لكنها صنعت بيدين واعيتين، وقلب لم ينس أصوله.

مشاركة المقال: