بعد سقوط النظام البائد، أعاد لبنان إحياء ملف ترسيم الحدود مع سوريا، مؤكدًا على أنه مصلحة مشتركة للبلدين، وأن العديد من الملفات العالقة بينهما مرتبطة بهذا الموضوع. دعا وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي إلى حل ملف ترسيم الحدود البرية مع سوريا، معربًا عن تفاؤله بأن التغيرات الإيجابية في سوريا ستنعكس إيجابًا على لبنان، معتبرًا أن العلاقة بين البلدين "لم تكن صحية منذ عقود، وأن الأنظمة المتعاقبة على سوريا لم تعترف بدولة مستقلة اسمها لبنان، وهذا ينطبق بشكل رئيسي على نظام الأسد".
لا تزال مناطق حدودية قريبة من الأراضي المحتلة عالقة بين سوريا ولبنان دون تحديد هويتها منذ عقود، حيث عطل نظام الأسد أي جهود لحل هذا الملف وإنهاء النزاعات وعمليات التهريب التي تشرف عليها ميليشيا حزب الله. وذكر حسام نجار، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدولي، لحلب اليوم، أن "اتفاقية سايكس بيكو لا تزال تسيطر على الفكر وتدفع الدول لتحديد ورسم حدودها، وأن الغرب ينمي هذه النزعة لدى دولنا".
وأضاف أن سوريا ولبنان "شربتا من نفس الكأس، وأن نظام الأسد كان يستخدم هذا الأمر لدفع حزب الله للصراع مع إسرائيل في مزارع شبعا والعريضة، وأن الأسد الابن كان يستخدمها لتحقيق مصلحة آنية". وأوضح نجار أنه تم البدء قبل سقوط النظام بوضع الخرائط الناظمة، واتفق الطرفان على جزء منها واختلفا على جزء آخر، مشيرًا إلى أن لعملية الترسيم في ظل هذه الأوضاع محاسن خاصة، حيث احتل حزب الله والعوائل التي جلبها الكثير من المناطق متذرعًا بأنها أرض لبنانية.
وكشف رجي أن فرنسا فتحت أرشيفها الذي يعود إلى أكثر من مئة عام، وزودت بيروت ودمشق بوثائق وخرائط للحدود بينهما في محاولة لإيجاد حل نهائي، معتبرًا أن ترسيم الحدود البرية سيؤدي إلى ضبطها وإرساء الأمن وحل عشرات الملفات العالقة. وأكد أن هذه الوثائق سرية وتتضمن تحديدًا فرنسيًا للحدود بين لبنان وسوريا، وقد سلمت للبنان بعد وعد تلقاه الرئيس اللبناني جوزيف عون من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء زيارته إلى فرنسا، وهي عبارة عن خرائط تعود لعشرينات وثلاثينات القرن الماضي.
ويرى نجار أن الترسيم يسقط فرضية أن القرى والمناطق الحدودية التي يستولي عليها حزب الله لبنانية، وأن "عصابة الحزب والاقتصاد الخفي الممول له من سوريين ولبنانيين كانوا يستخدمون هذه المناطق للتهريب وزراعة الحشيش ومصانع الكبتاغون". أما عن أسباب التأخير في العمل على الخطوات الأولى، فقد أوضح المحلل السياسي أنها تعود لعدة اعتبارات، منها عدم وجود خرائط دقيقة تحصر المناطق وتشابكها، لذلك كانت تتم محاولات اعتماد للخرائط العثمانية التي تحدد بدقة تلك المناطق. و"لا ننسى كذلك موضوع ترسيم الحدود مع إسرائيل والذي يتم تداوله بشكل واسع ويعد بداية لتطبيع محتمل".
واعتبر نجار أن ما يصدر عن المسؤولين الأمريكيين حول قدرة الرئيس أحمد الشرع على ضبط المنطقة وقيادتها، يعزز الرغبة بإنهاء كل الملفات العالقة والتي منها الحدود، ويندرج في نفس سياق الرغبة في إنهاء دور قسد وخضوعها للإملاءات الأمريكية. ولفت الوزير اللبناني إلى أن "النظام السابق في دمشق كان يعتبر لبنان دولة تابعة وليست مستقلة، وأن التمثيل الدبلوماسي غاب حينها بين البلدين بسبب عدم اعتراف دمشق بسيادة لبنان". وأشار إلى أن العلاقة بين الجارتين سلكت مسارًا مختلفًا عن النهج الذي تم اعتماده إبان حكم الأسد بعد التطورات الأخيرة، وأنه عُقدت مجموعة من اللقاءات بين المسؤولين اللبنانيين والسوريين بهدف بناء علاقات جديدة، وهو ما يراه الوزير ممكنًا، لأن "العقلية السورية السابقة التي تمثلت بالسيطرة الأمنية والسياسية على لبنان لم تعد موجودة في ظل الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس السوري أحمد الشرع".