دمشق-سانا: في قلب دمشق، المدينة التي تحتضن أروع الفنون المعمارية القديمة وأعرق الحضارات، يمتد سوق مدحت باشا على مسافة تزيد عن 1500 متر. يخلق السوق في أزقته الضيقة والمزدحمة مزيجاً فريداً يجمع بين عراقة حجارة التاريخ وحيوية التجارة الحديثة، مانحاً المنطقة حركة دائبة من الزوار والأهالي من داخل سوريا وخارجها.
العم عبد الفتاح قباني، أحد عشاق دمشق، يروي عن إعجابه بسوق مدحت باشا، مؤكداً أنه يجسد فنوناً معمارية متنوعة شهدتها دمشق عبر العصور، بدءاً من الحقبة الرومانية، مروراً بالعصر الأموي والعباسي والمملوكي والعثماني. وأشار إلى أن السوق كان محطة مهمة للقوافل التجارية القادمة إلى دمشق من مختلف الدول العربية، وذلك في تصريحه لوكالة سانا.
أكثر من 400 عام
وفقاً لماهر المسكي، أحد سكان المنطقة، يتراوح عمر السوق بين 400 و600 عام. فسوق مدحت باشا يعتبر وجهة مفضلة للكثيرين، سواء للتسوق أو للاستمتاع بجمال تصميمه القديم وقناطره التراثية ومحلاته الصغيرة التي تتراوح مساحتها بين 8 و20 متراً مربعاً.
وأضاف المسكي في تصريحه لمراسلة سانا: "إن سوق مدحت باشا، المعروف أيضاً بالسوق الطويل أو الشارع المستقيم، لا يزال نابضاً بالحياة ويحتضن إرثاً تاريخياً غنياً رغم التحديات. إنه رمز للعراقة والتاريخ ونافذة حيوية للثقافة والتجارة في دمشق، حيث يضم حرفيين يحافظون على صناعة وبيع المنتجات الدمشقية التقليدية واليدوية كالسجاد والنحاسيات والأواني القديمة والعطارة، بالإضافة إلى محلات تجارية حديثة ومأكولات شعبية دمشقية".
تجدر الإشارة إلى أن تفرعات السوق الجانبية تحمل أسماءً مختلفة تعكس طبيعة المحلات التجارية الموجودة فيها، مثل سوق الحرير وسوق الصوف والخياطين والبزورية. كما أن امتداد الشارع المستقيم لسوق مدحت باشا يتفرع إلى مداخل لحي الأمين وحي القيمرية وإلى عدد من الأماكن الأثرية والدينية، وينتهي بالمعلم الأثري المعروف في باب شرقي، وهو بقايا قوس النصر الروماني.
سبب التسمية
حظي السوق باهتمام كبير من قبل العديد من المسؤولين الذين تعاقبوا على دمشق، وفي كل فترة زمنية كان يشهد إعادة تأهيل أو إضافة جديدة. وفي عام 1879، قام الوالي العثماني مدحت باشا بتجديده بالكامل، حيث تم إصلاح وتحسين بنيته التحتية ليصبح سوقاً رديفاً لسوق الحميدية، ومن هنا جاءت تسميته. وفي عام 1905، ساهم والي الشام حسين ناظم باشا في استبدال سقف السوق الخشبي بغطاء من الحديد للحماية من الحرائق، ليصبح السوق مقسماً إلى جزأين، أحدهما مسقوف والآخر مكشوف يمتد حتى منطقة باب شرقي.
ومع التطورات التي شهدتها العصور اللاحقة، حافظ السوق على اسمه ومكانته كمعلم سياحي ومركز تسوق شهير، وشهد العديد من أعمال الترميم لتنظيم السوق ومحلاته التجارية.
سوق مدحت باشا، أحد الأسواق العريقة والتاريخية في دمشق، لا يزال حتى اليوم وجهة لكل زائر جديد لدمشق، ومركزاً لتلبية احتياجات العائلة من الأقمشة والمشغولات اليدوية والتوابل والعطورات والأعشاب والتحف والهدايا والصناعات المحلية التي تعيد ذكريات الشام وحواريها.