الخميس, 26 يونيو 2025 02:16 AM

شارل جبور يثير الجدل: نظريات مؤامرة حول تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق

شارل جبور يثير الجدل: نظريات مؤامرة حول تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق

علي سرور - أثارت نظرية مؤامرة، ابتدعتها أوساط إعلامية يمينية في لبنان وعلى رأسها شارل جبور، جدلاً واسعاً، حيث تم توظيفها كسردية جاهزة للتشويش على هوية الجاني الحقيقي في التفجير الإرهابي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دمشق.

فجرت العملية الإرهابية الدامية في كنيسة مار إلياس بدمشق مخاوف لدى الشعب السوري، وخاصة المسيحيين، بشأن مستقبل البلاد في ظل التساؤلات حول القدرة على كبح جماح الأجنحة التكفيرية.

بينما كان السوريون يعانون من آثار التفجير، فوجئ مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بنظريات المؤامرة تنتشر بسرعة، محاولة إبعاد اللوم عن الفكر المتطرف وإلقاءه على المخابرات الإيرانية، باعتبارها مسؤولة عن إرسال الانتحاري لتقويض استقرار النظام في سوريا.

لكن تتبع التسلسل الزمني لهذه السردية يكشف أن الأوساط الإعلامية اليمينية في لبنان، وعلى رأسها شارل جبور، هي من ابتكر هذه النظرية بهدف التشويش على هوية الجاني الحقيقي.

لم يتردد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية» في إطلاق اتهاماته بعد ساعات قليلة من العملية الإرهابية، بل بالغ في تحديد الجهات المسؤولة، متجاوزاً حتى تقديم واجب العزاء لأهالي الضحايا. وتجدر الإشارة إلى أن جبور لم يعر اهتماماً يذكر بالمسيحيين السوريين في سنوات الحرب الطويلة.

عبر تغريدة على منصة «إكس»، حدد جبور السردية الإعلامية بوضوح قائلاً: «من فجر كنيسة مار إلياس في دمشق هم جماعة إيران». لكن «المهنية القضائية» لم تمنعه من توسيع دائرة المتهمين، فتابع قائلاً: «إما فلول الأسد… وإما أذرع إيران المأزومة، وإما الأجنحة الإرهابية التي تأتمر بأوامرها»، مشيراً إلى أن المستهدف هو نظام الشرع.

وبعدما لقيت تغريدته صدى من «رفاقه» في سوريا، ممن يسعون إلى إبعاد سهام الاتهام عن الأمن العام السوري، إثر تداول معلومات تشير إلى أن المنفذ هو أحد عناصر القوى التابعة لوزارة الداخلية، عاد جبور في تغريدة ثانية ليؤكد على أن إيران فجرت الكنيسة لحرف الأنظار عن هزيمتها النووية.

بدت حماسة شارل جبور «ملكية أكثر من الملك»، إذ إن البيانات الرسمية السورية لم توجه اتهامات علنية لأطراف خارجية، بل أشارت وزارة الداخلية إلى ضلوع تنظيم «داعش» في العملية.

وبعد نحو أربع وعشرين ساعة، نشرت وكالة «ناسا» نقلاً عن مصدر في جهاز الاستخبارات العامة، خبراً عن إلقاء القبض على المسؤول عن العملية وعدد من أفراد الخلية المتورطة، مؤكداً على انتسابهم إلى «داعش».

ورغم هذه الرواية الرسمية، ركب بعض الناشطين موجة التشويش المقصودة التي تسهم في إنكار وجود تطرف فعلي داخل سوريا، في محاولة لمواجهة الخطاب المعاكس الذي يشير إلى تغلغل هذا الفكر داخل مؤسسات النظام الجديد.

إذ نشر ناشطون على «إكس» أن زياد أنور الإدلبي، المعروف بلقب «أبو البراء»، شوهد في الآونة الأخيرة يقود سيارة تحمل مكبراً للصوت يدعو المسيحيين في حي الدويلعة، حيث تقع الكنيسة الأرثوذكسية المستهدفة، إلى الدخول في الإسلام، وهو الشخص ذاته الذي التقطته كاميرات المراقبة أثناء تنفيذه العملية الإرهابية.

في خضم هذا المشهد الدموي، يبرز خطر آخر لا يقل فتكاً عن الحزام الناسف، وهو تطبيع التبرير الإعلامي للإرهاب التكفيري عبر أدوات التواصل والمواقف السياسية.

فالتساهل مع سرديات تنكر بشكل فج وجود تطرف داخل سوريا، لا يخدم فقط مشاريع التضليل، بل يشكل أيضاً إهانة مباشرة لضحايا الهجوم ولعائلاتهم، ويؤكد على الاستعداد النفسي للبعض لتبرئة القاتل حين لا يتناسب مع روايته السياسية المفضلة.

في العالم المثالي الذي يحترم المبادئ الأساسية، لا تحتمل المآسي تحويلها إلى حلبة تصفية حسابات سياسية عبر إعادة تشكيل الحقيقة على قياس المصالح الخاصة.

لكن الحادث الدموي كشف من جديد عن هشاشة البيئة الأخلاقية التي يتعامل بها بعضهم مع المأساة البشرية، حيث تهمش الحقيقة لمصلحة محاور سياسية محملة بالأحقاد والحسابات الإقليمية، ما يفاقم الجراح ولا يسهم في بناء سردية عادلة تحترم كرامة الضحايا.

مشاركة المقال: