الجمعة, 20 يونيو 2025 08:09 PM

غموض المواقف: هل تتدخل الأطراف في الصراع القائم؟

غموض المواقف: هل تتدخل الأطراف في الصراع القائم؟

إذا كان البعض يتصرّف على أنه «المخلّص»، فإنّ ذلك لا يجعله الوحيد الذي يقود المنطقة إلى الدمار، لأنّ رفيقه يعتقد هو الآخر، بأنه المخلّص الذي سيعيد صياغة العالم.

قبل أيام، قال أحد المفاوضين السابقين: إنه «لا بد أن تكون طبيباً نفسياً أو منجّماً لتعرف ما سيفعله البعض بشأن الصراع، فهو يغير وجهة نظره وموقفه عشر مرات في الأسبوع».

مَن يراقب التصريحات خلال الـ 72 ساعة الأخيرة، عليه الركض من جهة إلى أخرى، دون ضمان الإمساك به.

لكنّ الأكيد، أنّ البعض يتقصّد القول، بأنه يدرس الخيارات التي يريد اتّباعها في التعامل مع الحرب القائمة.

ورغم أنّ «غموض» البعض، يفتح شهية المحلّلين على أنواعهم، فإنّ المنطق الذي يعمل به البعض، يجعل الرأي الأكثر رجحانا، هو تورّطه في الحرب.

علماً أنه لا يزال بين المعنيين مَن يعتقد بأنّ عناصر كثيرة قد تجعل البعض يتّخذ اتّجاهاً مختلفاً، بهدف الوصول إلى صيغة لوقف الحرب، والعودة إلى طرح نفسه كرجل إطفاء الحروب وإقامة السلام.

المشكلة في هذا الملف، أنه يعرف، بأنّ أي نهاية للحرب القائمة اليوم، لن تحصل وفق طريقة تجعله طرفاً مقرّراً لليوم التالي.

لكن، في حالة تدخله في الحرب، وفي حالة نجاح جيشه في كسر إرادة وصمود الطرف الآخر، يمكنه الحديث عن نتيجة تناسبه، أمّا العكس، وهو احتمال قوي جداً، فسوف يقود إلى تسويات من نوع آخر. هي نفسها التسويات التي يضطر اللّاعبون إلى عقدها لتجنّب المزيد من الدماء والدمار، لكنها تظل على شكل «ربط نزاع» بانتظار اللحظة التي يختارها احد المعنيين بها، حتى يقلب الطاولة، بحثاً عن نتيجة تعزّز موقعه ودوره على حساب الآخرين.

نجح البعض في إيجاد رابط قوي بين هدف إضعاف طرف ما وهدف إطلاق معركة إسقاط النظام.

المشكلة في مقاربة هذا البند، لا تخصّ حسابات الأطراف الوسيطة أو العاقلة. بل هي تخصّ فقط حسابات من بدأ هذه الحرب، ويتصوّر أنه يقدر على إنجاز أهدافه منها.

وليس منطقيّاً تجاهل النجاح الكبير الذي حقّقه البعض، عندما أقنع آخر، بأنّ هذه الحرب، ستخدم هدفه في إخضاع الطرف الآخر.

لأنّ البعض، كان واضحاً في مطالبه أثناء المفاوضات، بأنه يريد استسلاماً. صحيح أنه يطالب به فجّاً هذه الأيام، لكنه كان يطلبه بلطف قبل أسبوع من الآن.

لكنّ البعض كان يحرص طوال المرحلة الماضية، بالتشديد على أنه يريد السلام ولو بالقوة.

وبالتالي فإنّ ما يُفترض بالبعض القيام به، يجب أن يخدم هذه الإستراتيجية، والتي صارت الحرب جزءاً منها. لأنّ البعض يعرف أنه في حال انتصر طرف ما، فسوف يحصل هو على ما يريده، أو هكذا يفترض.

بينما يعرف البعض، أنه في حال انتصر الطرف الآخر، أو صمد وأجبر الطرف الآخر على وقف العدوان، فسوف يكون مضطراً لعقد اتفاق معه بشروط مختلفة، أو قد يلجأ إلى ترك الأمور على حالها، فيوسّع من ضغوطه الاقتصادية القصوى دون الحاجة إلى تطبيع.

في كل الحالات، يقول المنطق، إنّ البعض ذهب بقدميه ليجلس على طاولة الحرب. وبمعزل عمّا إذا كان سيترأّس الطاولة أو يجلس إلى جانب طرف آخر، فهو صار ملزماً بخيارات تستند إلى وقائع صلبة.

وفي هذه الحالة، يكون الاختراق الوحيد الذي يُنزل الجميع عن الشجرة، عبر ابتداع فكرة من وسطاء أو وسيط محايد نسبيّاً، يقدر على إقناع طرف ما أولاً، بصيغة اتفاق ينصفها ليس في طبيعة الملف، بل في ضمان رفع العقوبات عنها بصورة عادلة، وهو أمر يبدو متعذّراً في ظل انحياز الغرب كله إلى جانب طرف آخر.

لكن، بمعزل عن أي جهود دبلوماسية تحصل، فإنّ طرفاً ما، الطرف المعني أوّلاً بهذه الحرب، يسعى إلى مسار لا تحصل فيه تسوية تمنح الطرف الآخر الحق في الإبقاء على مشروعه.

لأنّ مجرّد إقرار العالم للطرف الآخر بهذا الحق، يمثّل خسارة مدوية لكل أهداف الحرب. عدا، عن أنّ طرفاً ما، تتصرّف بأنّ هذه المعركة، وإن لم تجهز على المشروع بصورة كاملة، إلّا أنها تفتح الباب أمام إدخال الطرف الآخر في دوّامة من المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنيّة والعسكرية، بما يقودها – وفق المنطق – إلى حالة شبيهة بالوضع في مكان ما قبل سقوط نظام الرئيس.

وطرف ما يعمل، بدعم من آخرين على تعزيز مناخات التوتّرات الداخلية، بغية إظهار تيار داخل البلاد يطالب بتغيير النظام.

وطرف ما التي تمكّنت أمنيّاً من إقامة منشآت عسكرية وأمنيّة داخل مكان ما، سوف تقدر على توفير عناصر الدعم الإعلامي والسياسي والأمني والعسكري لأي مجموعات تُظهر استعداداً للانخراط في مشروع تخريب مكان ما من الداخل.

الفكرة من كل ما سبق، أن ما جرى ويجري حتى الآن، يدفع إلى تصوّر تختلط فيه أهداف الحرب، بين مَن يريد إضعاف طرف ما وبين مَن يريد إدارة المشهد نحو مرحلة العمل على إسقاط النظام من أساسه.. وهو تصوّر كافٍ، لأن تتصرّف الأطراف بطريقة مختلفة، لأنّ هناك تحدّياً كبيراً أمام هذه الجبهة اسمه: متى وكيف يستعيد محور المقاومة المبادرة؟

مشاركة المقال: