تشير مصادر دبلوماسية إلى أن الاتصالات المتعلقة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة تمر بمرحلة حساسة، مع تزايد التفاؤل المصري بإمكانية تحقيق تقدم في الأزمة المستمرة. وذكرت المصادر لـ «الأخبار» أن الاجتماعات والمشاورات المكثفة بين الوسطاء والأطراف المعنية أسفرت عن صياغة معدلة من المقترح الأمريكي، تتضمن تعديلات شكلية لا تؤثر على المطالب الفلسطينية، ولكنها تعتبر خطوة أولية نحو كسر الجمود.
تتضمن الصيغة المعدلة ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، إعادة تمركز القوات الإسرائيلية داخل قطاع غزة والعودة إلى حدود الانتشار قبل 2 آذار/مارس، وهو التاريخ الذي شهد انهيار الهدنة السابقة. ثانياً، آلية إدخال المساعدات الإنسانية، حيث تنص الصيغة الجديدة على العودة إلى نظام «الرقابة الأممية» لضمان وصول الإمدادات إلى مستحقيها دون عوائق. ثالثاً، مواصلة التفاوض حول مستقبل الحرب، في حال تعذر التوصل إلى صيغة نهائية لإنهاء الحرب قبل بدء الهدنة التي ستستمر 60 يوماً.
وفقاً للتقييم المصري، فإن هذه التعديلات غير كافية لمعالجة المشكلة الأساسية، وهي غياب التزام إسرائيلي واضح بوقف شامل ودائم للعمليات العسكرية، أو تقديم ضمانات حقيقية للانسحاب من القطاع. وتعتبر مصادر مصرية أن الصيغة المعدلة تعكس محاولة أمريكية لتسويق «حل جزئي يركز على هدنة مؤقتة دون معالجة حقيقية لجذور النزاع».
من جهتها، أبدت بعض الفصائل الفلسطينية «تحفظها» على هذا النهج، معتبرة أنه «يكرس حالة اللاسلم واللاحرب»، ويوفر لإسرائيل هامشاً إضافياً لإعادة ترتيب أوراقها الميدانية دون تقديم تنازلات سياسية. وعليه، يسود الحذر والتردد تجاه المقترح الجديد، دون وجود موقف نهائي بالقبول أو الرفض لدى الفصائل، التي تدرك أن القبول بأي صيغة لا تتضمن التزاماً بإنهاء الحرب سيكون بمثابة مغامرة سياسية وأمنية، في ظل تزايد الضغوط الإنسانية والمعيشية على سكان القطاع.
ومع ذلك، بدأت بعض القيادات الفلسطينية تلمح إلى إمكانية التعامل مع الهدنة «كمرحلة مؤقتة يمكن من خلالها اختبار النوايا»، خاصة إذا ترافقت مع تحسن ملموس في الأوضاع الميدانية، وتراجع في حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية. ويرى الوسيط المصري أن المقترح الأمريكي يمكن أن يشكل بوابة للانتقال نحو مسار تفاوضي أكثر شمولاً. وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، فإن القاهرة باتت أكثر ميلاً إلى الاعتقاد بأن «العد التنازلي لوقف إطلاق النار قد بدأ فعلياً»، ولا سيما بعد تراجع حدة المواقف الإسرائيلية وازدياد الضغط الدولي والأمريكي على تل أبيب.
ويضيف المصدر أن «مصر ترى في التطورات الأخيرة فرصة ينبغي استثمارها، على الرغم من إدراكها التام لصعوبة تحقيق تسوية شاملة في ظل المعطيات الحالية». ويستدرك بأن تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن قبول إسرائيل هدنة تمتد 60 يوماً «لم تحدث أثراً جوهرياً في المشهد السياسي، باعتبار أن هذه الموافقة سبق الإعلان عنها بصيغ متعددة»، متابعاً أن ثمة شعوراً لدى القاهرة «بأن واشنطن تسعى لإدارة الأزمة أكثر من سعيها لحلّها». يبقى غياب التزام إسرائيلي واضح بوقف دائم للعمليات العسكرية العقبة الأساسية أمام أي اتفاق نهائي.
وعلى الجانب الإسرائيلي، نقلت «القناة 12» العبرية أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، سيطلب من ترامب، خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن، «ممارسة ضغط مباشر على قطر لتهديد قادة حركة حماس بالطرد، في حال لم يتم التوصل إلى صفقة قريباً»، في حين ذكرت قناة «كان» أنّ نتنياهو ووزير الأمن، يسرائيل كاتس، موافقان على إبرام صفقة التبادل، ويعتقدان بأنه ينبغي إبعاد «حماس» عن حكم القطاع عبر اتفاق سياسي وأمني.
وفي السياق ذاته، أفاد موقع «والا» بأن «الولايات المتحدة ستدعم استمرار المفاوضات حتى بعد انتهاء هدنة الـ60 يوماً، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل حول شروط إنهاء الحرب». أما «القناة 13» فأشارت إلى أن «إسرائيل تستعد لاحتمال الإعلان عن صفقة خلال الأسبوع المقبل، في ظل مؤشرات إيجابية ترجح توجه وفد تفاوضي لإجراء محادثات». وأوضحت القناة أنّ «البند 11 من مقترح ويتكوف يمثل جوهر الخلاف بين إسرائيل وحماس»، إذ ينصّ على استمرار المفاوضات في الظروف نفسها حتى في حال عدم التوصل إلى تفاهمات خلال فترة الهدنة، ما يعني استمرار وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية؛ وهذا ما رفضته إسرائيل مراراً. لكنّ «القناة 12» اعتبرت أنّ الردّ الإيجابي من «حماس» قد يدفع بفريق تفاوض تقني إسرائيلي للتوجه إلى الدوحة أو القاهرة لبحث التفاصيلِ العملية المتعلقة بصفقة التبادل، وخطوط انسحاب الجيش، وحجم المساعدات الإنسانية.
على الصعيد الميداني، شهد حيّ الشجاعية شرق غزة سلسلة «حوادث أمنية» معقدة، أمس، بدأت في التاسعة صباحاً ضمن مناورة عسكرية شاركت فيها الفرقة 98 ولواء «الكوماندوز» و«اللواء 7». ووفق تحقيق أولي للجيش الإسرائيلي، فقد أطلق مقاومون فلسطينيون قذيفة مضادّة للدروع على مبنى يتمركز فيه جنود من وحدة «إيغوز»، ما أسفر عن إصابة جنديين. وأعقب ذلك، هجوم آخر على دبابة أسفر عن مقتل جندي وإصابة اثنين بجروح خطيرة. ولاحقاً، تعرّضت قوّة أخرى من «إيغوز» لهجوم قنص أدّى إلى إصابة جندي بجروح خطيرة، قبل أن تنفجر عبوة ناسفة بجرافة «D-9» وتصيب جنديين إضافيين. وأقرّ جيش العدو، أمس، بمقتل جندي وإصابة ثلاثة آخرين، بينهم قائد دبابة، في معارك شمال غزة.
إلى ذلك، أُعلن في إسرائيل عن إزالة جميع مستوطنات غلاف غزة من تصنيف «المنطقة العسكرية المغلقة»، في خطوة يُفترض أن تفتح الباب أمام عودة المستوطنين إلى هذه المستوطنات، للمرة الأولى منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. كما كان يجري الترتيب لزيارة مرتقبة لنتنياهو إلى مستوطنة «نير عوز» في غلاف غزة؛ لكن كان للمقاومة في القطاع رأي آخر، حيث دوّت، بعد ظهر أمس، صفّارات الإنذار في «سديروت» إثر إطلاق صاروخين من الشمال، علماً أن الأيام الأخيرة شهدت عدة إطلاقات من القطاع إلى مستوطنات «الغلاف».