عقدت قوات سوريا الديمقراطية يوم الجمعة "مؤتمراً وحدوياً" في المركز الثقافي بالحسكة، بمشاركة أكثر من 400 ممثل عن الإدارة الذاتية وقيادات المكونات العرقية والدينية في شمال وشرق سوريا، بما في ذلك المسيحيين والدروز. يهدف هذا المؤتمر إلى صياغة موقف موحد يدعم نظام حكم لامركزي في سوريا، وذلك قبل اجتماع مرتقب في باريس يجمع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، ووزير خارجية الحكومة المؤقتة، أسعد الشيباني.
أكدت مصادر مشاركة في المؤتمر لوسائل إعلام محلية أن الهدف من هذا التجمع هو إظهار التماسك الداخلي بين المكونات المختلفة، وعرض نموذج الإدارة الذاتية كإطار قابل للتوسع في سياق حل سياسي شامل، في مواجهة أي محاولات لإعادة فرض المركزية. وأكد سيبان حمو، قائد وحدات حماية الشعب، أن قوات سوريا الديمقراطية لن تنضم إلى الجيش النظامي طالما أن النظام "يواصل سياساته التهميشية ويرفض الاعتراف بالتنوع"، مضيفاً: "هدفنا ليس الانفصال، بل بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية تضمن المساواة والمشاركة".
حظي المؤتمر بدعم ديني وسياسي مباشر من خارج مناطق شمال وشرق سوريا. فقد وجه الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء، رسالة مصورة أكد فيها أن المؤتمر "ليس مجرد اجتماع سياسي، بل نداء للضمير الوطني واستجابة لصرخة شعب أنهكته الحروب والتهميش". وأضاف الهجري: "نقف إلى جانب إخوتنا من الكرد والعرب والسريان والأيزيديين والتركمان والشركس وباقي المكونات"، مشدداً على أن "التنوع في سوريا ليس تهديداً، بل كنز يعزز وحدة المجتمع"، داعياً إلى أن يكون المؤتمر "بداية لمسار جديد ومنارة تضيء دروب الكرامة وترسخ حرية الإنسان في وطن لا يُقاس فيه المرء بانتمائه، بل بإنسانيته ومساهمته في البناء".
كما شارك الشيخ غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا، في المؤتمر عبر رسالة دعم أكد فيها ضرورة إقامة "دولة مدنية علمانية تعددية لا مركزية" في سوريا، "تحترم جميع المكونات ولا تهمّش أحداً تبعاً لمذهبه أو دينه"، معتبراً أن "الحل العادل يمر عبر نظام لامركزي يضمن المساواة والعدالة والمشاركة الحقيقية". وأضاف غزال: "لا يمكن بناء مستقبل آمن لسوريا دون اعتراف بالآخر، وضمان حقوقه في الدستور والمؤسسات"، داعياً إلى "إعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية حديثة تُكرّس الحريات وتُنهي منطق القمع والتهميش".
من جهته، دعا حسين عثمان، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، إلى "تكثيف الجهود في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ المنطقة"، محذراً من "محاولات زرع الفتن والانقسامات"، ومشدداً على أن "المرحلة تتطلب أعلى درجات المسؤولية الوطنية والمجتمعية، والسعي لرسم مستقبل يليق بتضحيات شعوب المنطقة".
أصدر المشاركون بياناً ختامياً، رفضوا فيه الإعلان الدستوري الراهن، واعتبروه "لا يلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة الإنسانية"، داعين إلى "إعادة النظر فيه بما يضمن تشاركية أوسع وتمثيلاً عادلاً في المرحلة الانتقالية". وأكد البيان أن "العمق التاريخي والثراء الثقافي للمكونات في شمال وشرق سوريا" كان ضحية "التهميش والإقصاء من قبل الأنظمة المركزية المتعاقبة"، وأن "ما يجري اليوم من ممارسات بحق أبناء الشعب السوري، خصوصاً في الساحل والسويداء والمسيحيين، يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية"، ويتطلب "تحقيقاً حيادياً شفافاً ونزيهاً".
شدد المشاركون على أن "التعدد القومي والديني والثقافي في شمال وشرق سوريا هو مصدر غنى وقوة"، وطالبوا بترسيخه في البنى السياسية، مع ضمان تمثيل عادل لكافة المكونات، مؤكدين أن "نموذج الإدارة الذاتية هو تجربة تشاركية قابلة للتطوير والارتقاء". وأشار البيان إلى أن "الحل المستدام للأزمة السورية يمر عبر دستور ديمقراطي يكرّس التنوع، ويؤسس لدولة لا مركزية تضمن المشاركة الحقيقية، وحرية المعتقد، والعدالة الاجتماعية، والحوكمة الرشيدة". كما دعا المؤتمر إلى إطلاق مسار فعلي للعدالة الانتقالية يقوم على "كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، وضمان عدم التكرار"، وضمان "عودة آمنة وكريمة وطوعية للمهجرين"، مع رفض "جميع أشكال التغيير الديمغرافي". (EURONEWS)