تستعد سوريا لبدء مرحلة جديدة من التنمية الاقتصادية مع إعلان "الشركة السورية للبترول" عن مشروع مصفاة حمص الجديدة. هذا المشروع لا يقتصر على عمليات التكرير فحسب، بل يمثل نقطة تحول محورية في قطاع الطاقة والاستثمار، مما سيساهم في إعادة تشكيل ملامح الاقتصاد الوطني.
يهدف المشروع، الذي يقام على بعد 50 كيلومتراً من مدينة حمص، إلى تحقيق استقرار في إمدادات النفط، ورفع كفاءة الإنتاج، وتوفير قاعدة طاقة مستدامة تدعم الصناعات التحويلية والزراعة والخدمات العامة. هذا يجعله حجر الزاوية في إعادة بناء منظومة الطاقة السورية وتحفيز النمو في جميع القطاعات الاقتصادية.
تحول بنيوي في قطاع الطاقة
يرى الخبير الاقتصادي محمد السلوم أن إنشاء المصفاة الجديدة في حمص يمثل تحولاً هيكلياً في التعامل مع قطاع الطاقة السوري. فهو لا يعتبر مجرد منشأة تكرير إضافية، بل بنية تحتية استراتيجية تعيد تعريف العلاقة بين الطاقة والاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد الحرب.
أوضح السلوم، في تصريح خاص لصحيفة "الثورة"، أن استبدال المصفاة القديمة بمنشأة حديثة ذات كفاءة تشغيلية عالية يعني تقليل الفاقد، وزيادة كفاءة الإنتاج، وضمان استقرار إمداد السوق بالمشتقات النفطية، مما يؤثر بشكل مباشر على تكلفة المعيشة والنقل والخدمات العامة.
قاعدة وطنية واستثمارية
على مستوى الاقتصاد الكلي، اعتبر السلوم أن المشروع يمثل خطوة نحو بناء قاعدة طاقة وطنية مستقرة، تمكن الدولة من إعادة التوازن بين العرض والطلب المحلي، وتخفيف الضغط على الميزان التجاري عن طريق تقليل فاتورة الاستيراد. كما يوفر دعماً للصناعات التحويلية والكيماوية، ويمنح الزراعة طاقة مستدامة للمضخات والآلات، مما ينعكس إيجاباً على استقرار الإنتاج الزراعي والصناعي معاً، وهما أساس الأمن الغذائي والتنمية.
أما على المستوى الاستثماري، فقد أكد السلوم أن المشروع يمثل "مغامرة محسوبة" في بيئة إعادة الإعمار، ولكنه في الوقت نفسه يمثل إشارة ثقة للمستثمرين الدوليين بأن الاقتصاد السوري بدأ الانتقال من مرحلة التعافي إلى مرحلة تأسيس اقتصاد إنتاجي. فالاستثمار في الطاقة، على الرغم من تكلفته، هو الأكثر ربحية على المدى المتوسط، لأنه يخلق شبكات دعم لبقية القطاعات ويختصر زمن العودة إلى النمو الحقيقي.
وأشار السلوم إلى أن مشروع مصفاة حمص الجديدة، بتكامل أبعاده الاقتصادية والاجتماعية، ليس مجرد بنية تحتية، بل أداة استراتيجية لإعادة بناء منظومة الطاقة السورية كرافعة للتنمية الوطنية الشاملة.
إعادة هيكلة قطاع الطاقة
كشفت "الشركة السورية للبترول" لصحيفة "الثورة" عن خطط استراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة قطاع الطاقة، من خلال إنشاء مصفاة جديدة متطورة في محيط حمص، وإغلاق المصفاة الحالية بالكامل، وتحويل موقعها إلى منطقة سكنية تحتوي على مستشفيات ومدارس.
وذكرت الشركة أن المشروع الجديد سيؤمن لسوريا كميات كافية من المشتقات النفطية، ويتيح دخول البلاد مرحلة التصدير، وهو ما يُعد خطوة هامة نحو تحسين استقرار الإمدادات الطاقوية وتوسيع آفاق الاقتصاد الوطني.
وأضافت أن هذه الخطط تأتي في إطار استراتيجية تحديث البنية التحتية للطاقة وجذب الاستثمارات العالمية، مشيرة إلى تقدم المفاوضات مع كبرى الشركات الدولية من المستوى الأول مثل "شيفرون" و"كونوكو فيليبس".