قُتل ياسر أبو شباب، أحد أبرز المتعاونين مع العدو الإسرائيلي في قطاع غزة، في ظروف غامضة أثارت جدلاً واسعاً. وصفته مصادر أمنية وعشائرية بأنه «نهاية طبيعية» لشخص امتهن العمالة ومهد الطريق لميليشيا محلية مرتبطة بالاحتلال تحت مسمى «القوات الشعبية».
برز اسم أبو شباب في السنوات الأخيرة كأداة رئيسية في مشروع الاحتلال لتشكيل ميليشيات مسلحة «بديلة». بدأ مسيرته بسرقة المساعدات الإنسانية، ثم تحول إلى وكيل ميداني للعدو لتنفيذ مهام أمنية وعسكرية، أبرزها تأمين ما سمته إسرائيل «المناطق الآمنة» في شرقي رفح، ضمن مشروع «رفح الخضراء» لفصل المنطقة وتحويلها إلى نموذج حكم بديل لـ«حماس».
بينما تحدثت روايات أولية عن اغتياله، ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن أبو شباب قُتل متأثراً بجروحه بعد تعرضه «لضرب مبرح خلال شجار داخلي بين عناصر عصابته» بسبب «صراعات متصاعدة حول حجم الارتباط بالأجهزة الإسرائيلية». مصادر عشائرية أكدت أن القتل تم على يد اثنين من أبناء قبيلته، «الترابين»، في اشتباك قبلي في شرقي رفح، بينما ذكرت مصادر أمنية إسرائيلية أخرى أن «أبو شباب قُتل في عملية اغتيال متعمدة ومخطط لها مسبقاً».
أكدت أوساط أمنية إسرائيلية أن مقتل أبو شباب «يشكل ضربة قوية للمشروع الإسرائيلي الرامي إلى خلق سلطة ميدانية بديلة في غزة، تقوم على تشكيلات مسلحة محلية موالية»، في إطار ما يسمى «خطة اليوم التالي»، ويعزز في الوقت نفسه حضور «حماس» كسلطة فعلية في القطاع.
في ظل فراغ قيادي وتضارب الأنباء حول مستقبل الميليشيا، كشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن نائبي أبو شباب، غسان الدهيني (المسؤول عن البنية العسكرية) وحميد الصوفي (المسؤول عن الجهاز المدني)، مرشحان لتولي قيادتها بعد مقتل زعيمها. الدهيني أُصيب أيضاً خلال أحداث أمس، ونُقل بمروحية إلى مستشفى «برزيلاي» في عسقلان المحتلة.
بغض النظر عن الروايات المتضاربة حول ملابسات مقتل أبو شباب، إلا أن مشاعر الارتياح العارم التي عبر عنها الغزيون وقوى المقاومة في القطاع كانت واضحة، معتبرين مقتله «نهاية متوقعة لكل عميل وخائن».
علقت «الهيئة العليا لشؤون العشائر» في القطاع بأن نهاية أبو شباب تعبر عن «طبيعة المصير المحتوم لكل من اختار العمالة طريقاً، وفضل الوقوف في صف الاحتلال على الانتماء إلى شعبه وقضيته». وأكدت الهيئة أن «الاحتلال لا يمنح الأمان حتى لأدواته، وأن من يتورط في التواطؤ لا مكان له بين أبناء الشعب الفلسطيني».
في تل أبيب، أبدت القنوات العبرية تبرمها من مقتل رجل كان «يعول عليه» في تثبيت نموذج «المنطقة الآمنة» في رفح. اعتبر مراسل قناة «كان» للشؤون العسكرية، أليئور ليفي، أن الاغتيال «يؤكد أن حماس لا تزال راسخة ولن تتراجع»، فيما نقلت «القناة 12» العبرية تعليقاً من جهاز «رادع» التابع لأمن «حماس» على مقتل أبو شباب، جاء فيه: «قلنا لك، إسرائيل لن تحميك».
لا تزال المقاومة تحاول استيعاب الواقع الميداني الطارئ في قطاع غزة، في ظل مواصلة العدو الإسرائيلي ترميم «بنك أهدافه» وتنفيذ عمليات انقضاض متفرقة. دفعت عمليات الاستهداف الإسرائيلية التي طاولت كوادر في المقاومة إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير المشددة، بهدف إبقاء حالة التأهب قائمة لدى المقاومين، وضمان استمرار القيادة في الالتزام بـ«تدابير الحماية والسرية». بعض عمليات الاستهداف الأخيرة تلك، كانت على يد العدو مباشرة، ومن خلال اختطافات وتصفيات تنفذها عصابات محلية تعمل لحسابه.
أكد مصدر قيادي في أمن المقاومة لـ«الأخبار» أن الأخيرة «أحبطت خلال الفترات الماضية عدداً من المحاولات التي سعت من خلالها عصابات الاحتلال إلى اختطاف كوادر محددة، وقد نجحت الأجهزة الأمنية في الإيقاع بالمنفذين، والسيطرة على أدواتهم، وكشف خيوط مرتبطة باغتيال أحد القادة الميدانيين على يد عملاء الاحتلال». كشف المصدر أن الجهد الأمني تزامن مع إنجاز ميداني بارز، تمثل في الوصول إلى عناصر ومفاصل أساسية في الشبكات المرتبطة بهذه العصابات، التي تتركز في المناطق المصنفة بـ«الحمراء» و«الصفراء»، الخاضعة لحماية أمنية مباشرة من الاحتلال، إذ تمكنت المقاومة من «تحييد هذه المفاصل، وإلقاء القبض على عدد من المتورطين، فيما سلم آخرون أنفسهم عبر وساطات عائلية وجهات اجتماعية، من بينهم نحو 100 شخص كانوا يعملون بشكل مباشر ضمن تلك الشبكات».
في سياق متصل، كشف أمن المقاومة، عبر منصاته، عن خيوط عملية اغتيال الشيخ محمد أبو مصطفى، القيادي في حركة «المجاهدين»، والتي نفذت خلال الشهر الفائت، في منطقة المواصي في محافظة خانيونس. بينت نتائج تحقيقات المقاومة أن «عميلاً ينتمي إلى عصابة يقودها المدعو حسام الأسطل، هو من نفذ العملية، التي هدفت إلى تصفية الشيخ أبو مصطفى، المسؤول عن ملف تأمين أسرى الاحتلال لدى كتائب المجاهدين». أوضح مصدر في أمن المقاومة أن هذه العملية تعبر عن نمط «الاغتيال الصامت» الذي يعتمده العدو، من خلال «تجنيد عملاء ومرتزقة محليين لتنفيذ عمليات استهداف مركزة تطاول شخصيات قيادية، ولا سيما أولئك المكلفين بملفات حساسة كملف الأسرى».
على المستوى التنظيمي، لا تزال حركة «حماس» تعمل حتى اللحظة وفق محددات «حالة الطوارئ»، وضمن إطار «المجلس القيادي» الذي يترأسه محمد درويش، من دون أي خطوات انتقالية جديدة تتعلق بإدارة المشهد الداخلي والتنظيمي للحركة. ترى الحركة أن «المعطيات والظروف الراهنة في قطاع غزة تفرض استمرار العمل وفق آليات الطوارئ، من دون اللجوء إلى ملء المواقع الثمانية التي شغرت عقب اغتيال عدد من قيادات المكتب السياسي». بحسب أوساط «حماس»، فإن قيادة المكتب السياسي للحركة هي من يتولى إدارة الملفات السياسية، وقد «رفضت بشكل قاطع إجراء أي تعيينات إدارية مرتبطة بالمواقع الحكومية في غزة»، التي بقيت شاغرة منذ اغتيال المهندس عصام الدعاليس، رئيس «لجنة العمل الحكومي». أشارت المعلومات إلى أن «الجهات الحكومية في غزة تقتصر مهامها على تقديم الخدمات الإنسانية، من دون أي صلاحيات مالية أو سياسية»، لافتة إلى أن «جميع أشكال الضرائب والرسوم – بما فيها ضريبة الدخل والقيمة المضافة والجمارك والرسوم الجمركية – متوقفة تماماً». أكد مصدر مطلع، لـ«الأخبار»، أن «الحكومة في غزة لا علاقة لها بإدخال الشاحنات أو فرض رسوم على دخول البضائع»، وأن «المجال فتح أمام المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية لإدخال المساعدات بحرية»، إضافة إلى «السماح للتجار بإدخال السلع بهدف كسر سياسة التجويع، ومنع الاحتكار، وتوفير احتياجات السوق المحلي».