الجمعة, 4 يوليو 2025 07:20 AM

ملوحة التربة وغياب الدعم يهددان محصول الصيف في دير الزور بتراجع غير مسبوق

ملوحة التربة وغياب الدعم يهددان محصول الصيف في دير الزور بتراجع غير مسبوق

حسام شاهين – دير الزور

يشهد إنتاج الخضروات الصيفية في حقول حمود سليمان، وهو مزارع من قرية الحوايج بريف دير الزور الشرقي، تراجعاً ملحوظاً بعد أن كان يزرعها بكميات كبيرة في السنوات الأخيرة. هذا التراجع صاحبه تقليص في المساحات المزروعة، خاصة تلك التي كانت تعتمد على مياه نهر الفرات، شريان الري الرئيسي في المنطقة.

انقطاع الري من الفرات

أوضح سليمان، في حديث لنورث برس، أنه كان يزرع سابقاً عدة هكتارات بالبندورة والباذنجان والفليفلة والخيار، لكنه اضطر لتقليصها تدريجياً بسبب انقطاع مياه الفرات نتيجة تعطل خطوط نقل مياه الري التي كانت تمتد من النهر إلى الأراضي الزراعية. وأشار إلى أن هذا التراجع يعكس وضعاً يعيشه معظم مزارعي دير الزور، الذين يواجهون تحديات كبيرة دفعتهم لتقليل نشاطهم الزراعي أو التخلي عنه نهائياً. ويعاني المزارعون في ريف دير الزور الشرقي من تدهور حاد في إنتاج الخضروات الصيفية بسبب تقلص المساحات المزروعة وتعطل شبكات الري التي تعتمد على مياه الفرات، مما أثر سلباً على الاقتصاد المحلي ومعيشة السكان.

ازدياد نسبة ملوحة التربة

يواجه المزارعون في ريف دير الزور تحديات كبيرة، أبرزها الاعتماد الإجباري على مياه الآبار الجوفية كبديل لنهر الفرات. ويقول أحمد الذياب، وهو مزارع من قرية الحوايج، إن استخدام هذه الآبار، رغم كونه حلاً مؤقتاً، أدى إلى زيادة ملوحة التربة في مناطق واسعة وتدهور خصوبة الأراضي الزراعية. كما أشار إلى أن تكاليف تشغيل الآبار تمثل عبئاً اقتصادياً إضافياً على المزارعين، مع ارتفاع أسعار الوقود وصعوبة الحصول عليه.

وأوضح الذياب أن عدداً كبيراً من المزارعين اضطروا لتقليص المساحات المزروعة بشكل ملحوظ بسبب ارتفاع ملوحة التربة وتدهور خصوبتها، مما جعل الزراعة غير مجدية اقتصادياً. وأشار إلى أن التملح تسبب في انخفاض حاد في إنتاجية المحاصيل، خاصة الخضروات الصيفية، التي لم تعد تغطي حتى تكاليف زراعتها. من جهته، أكد المهندس الزراعي عبد الله الخلف لنورث برس أن ارتفاع نسبة الأملاح في التربة نتيجة استخدام مياه الآبار المالحة يؤثر بشكل مباشر على نمو النباتات، خاصة الخضروات الحساسة جداً للتملح، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وجودة المحصول وخسائر مالية للمزارعين.

وأضاف الخلف أن هذا الوضع تسبب في هجرة بعض المزارعين إلى المدن أو مهن أخرى، وانخفاض القدرة على تأمين الغذاء محلياً، مما انعكس على الأسعار ورفع معدلات الفقر في المناطق الزراعية.

غياب الدعم الحكومي

أكد الذياب أن استخدام مياه الآبار المالحة بسبب تعطل شبكات الري القديمة المرتبطة بنهر الفرات، دفع المزارعين لتحمل تكاليف إضافية من حفر الآبار وتشغيل المضخات بالمحروقات مرتفعة الثمن، بالإضافة إلى شراء الأسمدة والمبيدات التي تضاعفت أسعارها. وأضاف أن الزراعة أصبحت "مهنة خاسرة" للكثيرين، خاصة في ظل غياب الدعم الحكومي أو المنظمات العاملة في المجال الزراعي.

وأشار الذياب إلى أن المزارع في دير الزور لم يعد يشعر بالاستقرار أو الأمل، حيث أصبحت الزراعة عبئاً نفسياً يومياً بسبب الخسائر المتكررة وانعدام الأمان المعيشي. وقال: "كنا نعيش من أرضنا، واليوم نراها تتآكل أمام أعيننا، لا نستطيع تركها ولا نستطيع الاستمرار فيها"، مضيفاً أن بعض المزارعين غادروا المنطقة كلياً، في حين اضطر آخرون للعمل بأجور يومية في أعمال لا علاقة لهم بها، لتأمين الحد الأدنى من المعيشة.

لم يقتصر التراجع الزراعي في المحافظة على الجانب البيئي فقط، بل أثر على الواقع المعيشي للسكان، إذ كان قطاع الزراعة، وخاصة زراعة الخضروات الصيفية، يشكل مصدر دخل رئيسي لآلاف العائلات. ومع تراجع هذا المصدر، يعاني الكثير من السكان من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، واضطر بعضهم للبحث عن أعمال بديلة لا تتوفر بسهولة في منطقة تعاني أصلاً من نقص في فرص العمل والخدمات.

وقال مصدر من مديرية الزراعة في دير الزور لنورث برس إن المديرية تدرك تماماً حجم المعاناة التي يعيشها المزارعون في المنطقة، وتعمل على إعداد خطط لإعادة تأهيل قنوات الري وخطوط نقل المياه المتضررة. وأشار المصدر إلى أن العملية تتطلب دعماً مالياً كبيراً، كما تعمل المديرية على دراسة مشاريع للحد من تفاقم التملح. وأضاف أن إعادة تأهيل القطاع الزراعي في دير الزور ومناطق سورية أخرى يتطلب جهوداً حثيثة، وقد يستغرق هذا الأمر جهوداً متواصلة لعدة سنوات.

خضار مستوردة غالية

أمام تراجع الإنتاج المحلي، يضطر السكان للاعتماد على الخضروات القادمة من محافظات أخرى، مثل حماة وحمص والساحل السوري، والتي تصل إلى أسواق دير الزور بعد نقلها لمسافات طويلة، مما رفع أسعارها بشكل لافت. وفي الأسواق الشعبية، تُباع حالياً البندورة والخيار والباذنجان بأسعار تتراوح بين 4000 و5000 ليرة سورية للكيلو الواحد، وهو ما يُعد مرتفعاً جداً مقارنة بمتوسط دخل الأسر في المنطقة.

وفي ظل هذا الواقع، يخشى سكان دير الزور من استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، وتزايد اعتمادهم على أسواق خارجية غير مستقرة، في وقت تتراجع فيه قدرتهم الشرائية بفعل تدهور الليرة السورية والبطالة الواسعة.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: