السبت, 9 أغسطس 2025 07:21 PM

نيرودا يكشف الوجه المرح لشاعر الأندلس: لوركا الكوميدي الضاحك

نيرودا يكشف الوجه المرح لشاعر الأندلس: لوركا الكوميدي الضاحك

سمير عطا الله: "اكتشاف مذهل" ليس للأدب العالمي فحسب، بل لكل قارئ عادي تأثر بأعمال لوركا ونيرودا. على الرغم من أن قيمة نيرودا في الأدب العالمي تفوق قيمة لوركا، إلا أن الأخير يظل علماً بارزاً في الملحمة الشعرية الإسبانية. أليس من المدهش أن نعرف من نيرودا أن صديقه الحزين كان كوميدياً ضاحكاً ومفعماً بالفرح ومحباً للحياة؟ هذا ما ستكتشفونه في هذا الفصل من المذكرات.

يذكر نيرودا: "... كنا على موعد مع لوركا في تلك الليلة، لكنه لم يحضر. كان على موعد مع الموت على يد رجال فرانكو. لم نلتقِ بعدها أبداً. كانت تلك بداية الحرب الأهلية الإسبانية، ليلة اختفاء الشاعر."

ويضيف نيرودا: "يا له من شاعر! لم أرَ في شخص آخر ما اجتمع فيه من رقة وعبقرية، وقلب مجنح وشلال بلوري، كما اجتمع في لوركا. كان فيديريكو غارسيا لوركا يتمتع ببهجة آسرة، ولدت في قلبه شغفاً بالحياة، وأشعها ككوكب. كان صريحاً ومضحكاً، عالمياً ومحلياً، موهوباً موسيقياً استثنائياً، وممثلاً صامتاً رائعاً، سريع الانفعال ومؤمناً بالخرافات، متألقاً ونبيلاً، كان مثالاً لإسبانيا عبر العصور، لتقاليدها الشعبية. من أصول عربية-أندلسية. أضاء وعَبِقَ مثل الياسمين مسرح إسبانيا التي، للأسف، رحلت إلى الأبد. لقد أغرتني مهارة غارسيا لوركا الفذة في استخدام الاستعارات، وجذبتني كل كتاباته. وكان يطلب مني أحياناً أن أقرأ له أحدث قصائدي، وفي منتصف القراءة كان يقاطعني صارخاً: توقف، توقف، أنت تؤثر عليّ!"

في المسرح وفي الصمت، في الحشد وفي المجموعة الصغيرة، كان لوركا يبدع الجمال. لم أعرف أبداً أي شخص آخر لديه مثل هذه الأيدي السحرية، ولم يكن لدي أبداً أخ يحب الضحك أكثر منه. كان يضحك، ويرقص، ويعزف على البيانو، ويقفز، ويبتكر، وكان متألقاً. يا له من صديق مسكين، كانت لديه كل المواهب الطبيعية، وكان صائغاً، ونحلة في خلية الشعر العظيم، لكنه كان يهدر موهبته الإبداعية أحياناً.

يروي نيرودا: ذات مرة ألقيت محاضرة عن غارسيا لوركا، بعد سنوات من وفاته، وسألني أحد الحاضرين: "في قصيدتك «أودا إلى فيديريكو غارسيا لوركا»، لماذا تقول إنهم يطلون المستشفيات باللون الأزرق من أجله؟"

فأجبت: "انظر يا صديقي، طرح هذا النوع من الأسئلة على شاعر يشبه سؤال امرأة عن عمرها. الشعر ليس مادة ثابتة، بل تيار متدفق غالباً ما يهرب من بين يدي المبدع نفسه. تتكون مادته الخام من عناصر موجودة وغير موجودة في الوقت نفسه، من أشياء قائمة وغير قائمة."

وأكملت: "على أي حال، سأحاول أن أقدم لك إجابة صادقة. بالنسبة لي، الأزرق هو أجمل الألوان. إنه يوحي بالفضاء كما يراه الإنسان، مثل قبة السماء، التي ترتفع نحو الحرية والفرح. كان وجود فيديريكو، وسحره الشخصي، يبعثان جواً من الفرح حوله. ربما تعني سطري أن حتى المستشفيات، وحتى حزن المستشفيات، يمكن أن تتحول بفعل سحر تأثيره، وتصبح فجأة مباني زرقاء جميلة."

ويختتم نيرودا بالقول: كان فيديريكو يشعر بحدس وفاته. ذات مرة، بعد عودته من جولة مسرحية، اتصل بي ليخبرني عن حادثة غريبة. كان قد وصل مع فرقة «لا باراكا» إلى قرية نائية في قشتالة، وأقام مخيماً على أطراف البلدة. كان فيديريكو متعباً للغاية بسبب ضغوط الرحلة، ولم يستطع النوم. نهض عند الفجر وخرج للتجول بمفرده. كان الجو بارداً، ذلك البرد القارس الذي تخصصه قشتالة للمسافرين، للأجانب. انقسم الضباب إلى كتل بيضاء، مما أعطى كل شيء بُعداً شبحياً.

إلى اللقاء…

المصدر: أخبار سوريا الوطن/الشرق الأوسط

مشاركة المقال: