في خطوة مفاجئة، كشفت مذكرة ثلاثية بين الأردن وسوريا وتركيا عن عودة مشروع سكة الحجاز إلى الواجهة، ليس كمجرد معلم تاريخي، بل كإشارة لبدء ترميم الأجزاء المتضررة واستكمال الجزء المفقود على الجانب السوري، والذي يبلغ طوله ثلاثين كيلومتراً. تزامن ذلك مع مقترحات لإعادة فتح معبر باب الهوى أمام الشاحنات الأردنية، بهدف ربط الشمال السوري بطرق التجارة المتجهة نحو تركيا وأوروبا.
على الرغم من أن الاجتماع بدا تقنياً بين وزراء النقل، إلا أنه يمثل بداية سباق جديد لرسم خرائط العبور في سوريا، التي تشهد تحولات كبيرة بعد سنوات الحرب. تركيا أبدت استعدادها لتقديم الدعم الفني واستكمال المشروع، معتبرة إياه وسيلة لتعزيز نفوذها المدني في المنطقة، من خلال ربط حلب بدمشق وصولاً إلى درعا والأردن، وإمكانية الاتصال لاحقاً بـ "طريق التنمية" العراقي نحو الموانئ التركية وأوروبا.
إحياء اسم "الحجاز" لا يعكس حنيناً للماضي، بل هو استثمار في فكرة إمكانية الوصل بعد الانقطاع، وتأكيد أهمية سوريا كممر حيوي. لكن هذا المسعى التركي يواجه تحديات، حيث يتبلور المشروع الإسرائيلي المعروف بـ "سكة السلام" أو "ممر داوود"، الذي يهدف إلى ربط موانئ الخليج بميناء حيفا عبر الأردن، متجاوزاً سوريا ولبنان، وهو ما يعني تحويل حيفا إلى مركز رئيسي للنقل وتهميش دور دمشق.
في هذا السياق، يكتسب قرار ترميم الثلاثين كيلومتراً بعداً سياسياً، حيث يعيد سوريا إلى قلب الخريطة ويؤكد أن طريق التجارة لا يقتصر على إسرائيل. وتغيب إيران عن المشهد، بعد أن خسرت رهانها على ممر بري من شلامجة إلى اللاذقية، ولم تولِ سكة الحجاز اهتماماً كبيراً. واليوم، تجد طهران نفسها خارج الحسابات، بينما تتقاطع مشاريع الربط فوقها.
مع تصاعد التوترات، تتداخل مشاريع النقل مع الترتيبات الأمنية، حيث تعتبر السكك الحديدية جزءاً من صراع أوسع لإعادة رسم الجغرافيا الأمنية في سوريا. وفي الجنوب، تجري مباحثات برعاية أمريكية لإحياء اتفاق فصل القوات لعام 1974، مع تقسيم لمناطق أمنية حول الجولان وقيود على الطيران. إسرائيل تواصل ضرباتها وتضع خطوطاً حمراء ضد أي تمركز تركي تعتبره تهديداً.
في هذا السياق، يصبح المشروع السككي بنية تحتية حساسة مرتبطة بالتفاهمات الأمنية. وحتى السويداء، البعيدة عن مسار السكة، تدخل في الحسابات كعقدة على الطريق بين دمشق والحدود الأردنية. الأردن يتعامل ببراغماتية، ويرى في المشروع فرصة لتقليل تكلفة العبور إلى أوروبا عبر تركيا، لكنه يدرك أنه يقف بين مشروعين متنافسين، لذلك يترك أبوابه مفتوحة أمام الطرفين.
دمشق الجديدة تراهن على أن إعادة تشغيل الشرايين المقطوعة أفضل من أي خطاب سياسي، وإعادة قطار إلى درعا تحمل إشارة قوية. مذكرة عمّان تمثل بداية جولة جديدة على سوريا، تتقاطع فيها السكك مع الحسابات الأمنية والسياسية. والسؤال المطروح: هل يعود صوت القطار عبر بادية الشام إشارة على تعافٍ اقتصادي، أم يصبح مجرد صدى في سباق محاور؟
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار