يثير تسديد حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، مبلغ 14 مليون دولار نقداً ككفالة لإطلاق سراحه، جدلاً واسعاً، خاصةً في ظل تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام التي تشدد على استرجاع هيبة الدولة وإعادة بناء المؤسسات، حيث لا أحد فوق القانون.
يتساءل المراقبون عن مصدر هذه الأموال النقدية التي دفعها سلامة، المتهم بتبييض الأموال وسرقة أموال المودعين، في حين أن حساباته مجمدة وممتلكاته محجوزة. هذا الأمر أثار استياء حتى بين مؤيدي نواف سلام.
النائب ملحم خلف وجه سؤالاً إلى الحكومة عبر البرلمان حول ما وصفه بـ "تهديد مبدأ الشرعية وسيادة القانون وتعريض المال العام وحقوق الأفراد للخطر" بسبب أداء القضاء ووزارات الدولة في ملف سلامة. واعتبر أنه لا يمكن للدولة أن تطلب احترام القانون، فيما هي أول من يخالفه. فيما طالبت حليمة قعقور بالتحقيق في كيفية دفع 14 مليون دولار لإخلاء سبيله وإيضاح الأسباب التي تحول دون محاكمته على كل ملفات الفساد العالقة في القضاء، وحصرها بملف واحد فقط.
الكفالة المالية التي خرج بها سلامة من السجن، في قضية الشيكات المصرفية (بقيمة 43 مليون دولار) المحررة من حساب الاستشارات في مصرف لبنان إلى المحامي ميكي تويني، ثم ابن شقيقته مروان عيسى الخوري، قبل إعادتها مجدداً إلى حسابه الخاص، سُدّدت نقداً بعد توضيبها في أكياس بلاستيكية.
والحديث هنا عن متهم مدرج على لائحة العقوبات الأميركية وصدرت في حقه مذكرة توقيف دولية وأُلقي الحجز على أمواله وأملاكه في فرنسا وبعض الدول الأوروبية، وجُمّدت حساباته في لبنان بموجب قرار قضائي.
ورغم ذلك كله، لم يجد القضاء سبباً لسؤاله عن مصدر تلك الأموال المسددة، ولا فتح تحقيقاً فورياً لمعرفة ما إذا كانت هذه الأموال نتاج عمليات تبييض أو اختلاس من المال العام أو أموال المودعين. بل جرى إيداع الكفالة في صندوق تعاضد القضاة رغم أن الصندوق "خاص ذو طابع اجتماعي – مهني لا يملك بموجب قانونه التأسيسي أي صلاحية لاحتضان أموال ذات طبيعة جزائية عامة" وفقاً للنائب خلف، ما يجعلها أقرب إلى الرشوة.
وبحسب خلف، يفرض كل ذلك على وزيرَي العدل والمال إبداء موقفيهما من إيداع كفالات جزائية في هذا الصندوق خلافاً للأحكام القانونية، ويتطلّب جواباً حكومياً حول ضمانات عدم استخدامها لغير الغرض المحدد لها. فإيداع الكفالات الجزائية "في صندوق خاص بدلاً من صندوق قصر العدل يشكل مخالفة صريحة لقانون أصول المحاكمات الجزائية ويعرض المال العام والحقوق القضائية لخطر الضياع أو الاستعمال الخاطئ"، ويضع مسؤولية على الحكومة لاتخاذ تدابير عاجلة حفاظاً على "هيبة الدولة".
لكنّ وزير العدل عادل نصار لم يجد حتى الساعة ما يدفعه إلى الطلب من مدّعي عام التمييز جمال الحجار فتح تحقيق في مصدر أموال سلامة إنفاذاً أقلّه لقانون الإثراء غير المشروع، إذ يشير مصدر قانوني إلى أن "كل موظف رسمي يخضع لأحكام هذا القانون، ما يجبره على تبرير مصدر كل دولار يملكه، وإذا عجز عن ذلك ينطبق عليه قانون الإثراء غير المشروع وتُعتبر أمواله ناتجة من عمليات تبييض أو اختلاس أو عمليات غير شرعية".
ويوضح أنه "في حالة سلامة، المفترض أن تدخل الكفالة التي سدّدها مباشرة ضمن هذا الإطار، ولا سيما أنه معاقَب وأمواله محجوزة بأكملها، فمن أين حصل على هذه الملايين ولماذا تم الإفراج عنه قبل التثبّت من شرعيتها؟"، مشيراً إلى أنه "في المسار القانوني، تتحوّل الـ 14 مليون دولار التي سدّدها الحاكم ككفالة من عامل يشتري له حريته إلى جرم جزائي يبقيه مُحتجزاً مع مصادرة تلك الكفالة… وهو ما لم يحصل".
وعليه، يسأل المصدر القانوني: "هل سيسقط القضاء الجرم المستجد الذي ارتكبه سلامة أم سيحقق مدعي عام التمييز في تلك المسألة التي تعني كل اللبنانيين وتمس حقوقَهم وحقوق الدولة؟ وما الذي يعيق القضاء من متابعة التحقيق في ملف شركة «فوري» المعلق منذ سنوات في لبنان رغم التحقيقات الأوروبية في القضية التي أوصلت إلى الادعاء على سلامة وملاحقته وحجز أملاكه وأمواله؟
ولماذا الاكتفاء بحصر واحدة من أكبر عمليات الاحتيال والاختلاس بمجرد شيكين مصرفيين قيمتهما 43 مليون دولار في حين أن الملفات المثبتة على الحاكم تقاس بالمليارات من «فوري» إلى «أوبتيموم» إلى الهندسات المالية وقروض المصارف وملفات الدعم وغيرها؟".