في ظل التغيرات الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج فريد في جذب رؤوس الأموال وأصحاب الثروات من مختلف أنحاء العالم. على الرغم من التحديات الإقليمية، تمكنت الإمارات من تعزيز مكانتها كبيئة آمنة وجاذبة للاستثمار، وذلك بفضل سياساتها الضريبية المرنة، واستقرارها السياسي، وتطويرها المستمر للبنية التحتية وبيئتها الاقتصادية.
لفهم أعمق لأسباب هذا الجاذبية واتجاهاتها، أوضح الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور بلال عدنان علامة لـ "النهار" أن هناك عدة عوامل اقتصادية أساسية تجعل الإمارات، وخاصة دبي، وجهة مفضلة لرؤوس الأموال وأصحاب الثروات. وأشار إلى أن الإمارات حققت تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة مقارنة بمحيطها الإقليمي، حيث لم تتمكن دول أخرى في المنطقة من مواكبة هذا التطور.
وأكد أن دخول الإمارات مرحلة الحداثة مبكرًا واعتمادها أساليب حديثة ومتطورة في مختلف القطاعات منحها ميزة تنافسية واضحة في جذب الاستثمارات، سواء بالمقارنة مع الدول المجاورة أو حتى مع دول متقدمة مثل بريطانيا.
ولفت إلى أن الإمارات توفر بيئة أعمال ميسرة تتميز بمرونة عالية وحوافز واسعة، خاصة فيما يتعلق بالاعتبارات الضريبية التي تعتبر أقل بكثير مما هي عليه في بريطانيا. وأضاف أن إنشاء المناطق الحرة، والإعفاء من ضرائب انتقال الملكية، وحرية حركة الأموال، بالإضافة إلى البنية التحتية المتطورة، تساهم بشكل كبير في تعزيز جاذبية الدولة للاستثمار.
وأشار إلى أن الإمارات تقدم أيضًا برامج خاصة لأصحاب رؤوس الأموال والمهارات العالية، مثل الإقامة الذهبية وشهادات الإقامة الضريبية، مما يجعلها خيارًا مفضلًا للمستثمرين الذين يبحثون عن بيئة مستقرة وقادرة على دعم أنشطتهم.
وأكد أن السياسات الضريبية الإماراتية تشجع على إعادة هيكلة رأس المال والأرباح بسهولة، مشيرًا إلى أن الأرباح المحققة داخل الدولة تُعامل ضريبيًا بطريقة ميسرة. وأوضح أن المناطق الحرة تعفي المستثمرين من الضرائب بالكامل، بينما تُفرض الضرائب في المناطق الأخرى بشكل مباشر وواضح، مما يتيح للمستثمر الحصول على صافي الأرباح دون أعباء ضريبية معقدة.
وأضاف أن تدفق رؤوس الأموال من أصحاب الثروات والطاقات البشرية المتقدمة جعل الإمارات مركزًا اقتصاديًا حيويًا، مشيرًا إلى أن تعزيز هذه المنظومة على مدى السنوات الماضية ساهم في تحويل الدولة إلى قوة اقتصادية كبرى ذات تأثير عالمي.
وأكد أن وجود نظام سياسي واقتصادي مستقر يشكل عاملاً رئيسياً في هذا النجاح، موضحًا أن الإمارات تبنت نهجًا عصريًا بعيدًا عن التوترات التي تعيشها دول عديدة، سواء في أوروبا المتأثرة بالحرب الروسية-الأوكرانية والأزمات الأوروبية-الأفريقية، أو في مناطق أخرى تعاني من نزاعات مستمرة. وقال إن هذا الاستقرار يعزز ثقة المستثمرين الذين يبحثون دائمًا عن بيئة آمنة يمكن التنبؤ بمستقبلها الاقتصادي.
وتناول تداعيات تدفق رؤوس الأموال على القطاع العقاري، مبينًا أن جزءًا من هذه الأموال يتجه عادةً نحو الاستثمار في العقارات، مما يخلق نهضة عمرانية تواكب حجم الحركة الاقتصادية. لكنه نبه إلى أن هذا القطاع، شأنه شأن أي سوق، قد يصل إلى مرحلة إشباع بعد توسعه الكبير.
ورجح أن تبلغ السوق العقارية في الإمارات أقصى استفادة لها بحلول عام 2030، مؤكدًا أن استمرار النمو يحتاج إلى تدفق مالي متواصل واستثمارات كبيرة. ورأى أنه في حال تراجع وتيرة هذا التدفق، من المتوقع أن تشهد السوق العقارية استقرارًا ثم تصحيحًا في الأسعار ونسب النمو، وصولاً إلى مرحلة توازن طبيعي.