الأربعاء, 3 ديسمبر 2025 04:28 PM

الحمامات التراثية بدمشق: تاريخ عريق ووظائف اجتماعية متعددة في محاضرة بثقافي أبو رمانة

الحمامات التراثية بدمشق: تاريخ عريق ووظائف اجتماعية متعددة في محاضرة بثقافي أبو رمانة

دمشق-سانا: تعتبر الحمامات التراثية من أبرز المعالم العمرانية والاجتماعية التي تميزت بها مدينة دمشق عبر العصور. فهي لم تكن مجرد أماكن للنظافة والاستحمام، بل كانت فضاءات للحياة اليومية تجمع بين الراحة والتعبير عن الإبداع الهندسي والفني الذي يتمتع به المعماري الدمشقي.

وفي إطار فعاليات مديرية الثقافة بدمشق، ألقى الباحث في التراث الدكتور أنس تللو محاضرة في المركز الثقافي بأبو رمانة بعنوان "الحمامات الدمشقية عبق التاريخ"، بحضور عدد من المهتمين بالتراث.

وظائف الحمامات الدمشقية

أشار الدكتور تللو إلى أن أهل دمشق تفننوا في بناء حماماتهم، حيث قاموا برصف الأرضيات بالرخام المضيء والجدران بالقاشاني اللامع، وزينوا العقود بالجص المزخرف، وأضافوا بحيرات كبيرة ونوافير محاطة بالبساتين والأروقة. لم تقتصر وظيفة الحمامات على الاغتسال فقط، بل كانت أيضاً مطاعم شعبية وقاعات اجتماعية للحديث والراحة، واحتوى بعضها على مكتبات للمطالعة، حتى قيل: "نعيم الدنيا الحمام".

تطور مخطط الحمامات

استعرض الدكتور تللو تطور مخطط الحمامات، الذي بدأ بغرفتين للرجال والسيدات، ثم تطور في العصر الروماني إلى ثلاثة أقسام: بارد، ومعتدل، وساخن، مع فتحة تهوية في القبة وخزانات مياه باردة/دافئة/ساخنة. كما استعرض عدداً من الحمامات المتبقية حتى اليوم، مثل: العفيف والورد آخر سوق ساروجا، والجوزة وسط ساروجا، والقرماني بسوق العتيق (بقيت قبته)، والخانجي عند سوق الهال، والتيروزي في باب سريجة، وابن المقدم في الصالحية، ونور الدين الشهيد في البزورية. وذكر أيضاً بعض الحمامات المندثرة مثل الجسر الأبيض، السلطان، الرأس عند السنجقدار، ومنجك بين الكلاسة والنوفرة، والقيشاني.

الحياة الاجتماعية

أوضح الدكتور تللو أن زيارة الزبون للحمام تبدأ بطقس منظم يعكس روح الألفة بين العاملين في الحمام. يستقبل المعلّم الزبون بالترحيب ويحفظ أماناته، ثم يتولى الناطور الاهتمام بالنظافة وتقديم المشروبات كالليمون والقهوة، بالإضافة إلى تزويده بـ "الماوية" و"الظهرية"، وهما فوط تستخدم كحواجز. بعد ذلك، ينتقل الزبون إلى المصوّبن (الريس) الذي يتولى عملية التدليك والصابون، ثم إلى التبع الذي يشطف رأسه، فيما يقوم القميمي بجمع القمامة والمحافظة على نظافة المكان.

طقوس النساء

أما الحمامات لدى النساء، فكانت مسرحاً لطقوس خاصة في حياة المرأة، مثل "حمام العرس" الذي يقام قبل الزواج بيومين ويشمل غناء الزغاريد والمواويل التي تعبر عن الفرح والدعاء للعروسين، بالإضافة إلى "حمام النفاس" أو "حمام الفسخ" الذي يعُقد بعد الولادة للعناية بالنفساء ورفع معنوياتها، حيث يُستخدم مزيج من الزنجبيل والدبس وحبة البركة ويقدم للزوار، مع طقوس تقليدية مثل الجلوس على بلاط النار، لتسهيل التعرق وتنشيط الجسم مع تقديم الطعام الخاص لزيادة إدرار الحليب للأم، مع تقديم الطعام من كشكة ومجدرة وغيرها.

عائلات توارثت الحمامات

اعتبر الدكتور تللو أن الحمامات مظهر من المظاهر الاجتماعية المتوارثة عبر الأجيال لعائلات عدة أسهمت بنقل هذا التراث، منهم عائلة التيناوي، القطان، كبب (ملك الظاهر)، معتوق (ملكة)، الموصللي (جوزة)، الملا (نوفرة/نور الدين)، والمارديني.

يذكر أن عدد الحمامات داخل المدينة القديمة بلغ في الماضي 100 حمام، أما اليوم، فلم يبقَ منها سوى عدد محدود لا يتجاوز بضعة عشر حمّاماً ما يزال قائماً أو عاملاً، ما يستدعي بذل المزيد من الجهود للحفاظ عليها وإعادة تأهليها.

مشاركة المقال: