الأربعاء, 20 أغسطس 2025 01:20 PM

الخطاب الرسمي السوري والطوائف: هل تغيب المواطنة في البيانات الرسمية؟

الخطاب الرسمي السوري والطوائف: هل تغيب المواطنة في البيانات الرسمية؟

في تجربة مماثلة، ومع بداية المرحلة الانتقالية في رواندا عقب حرب أهلية مدمرة، أدركت السلطات أهمية توحيد المجتمع تحت مظلة هوية وطنية جامعة. تجسد ذلك في شعار المرحلة الانتقالية "أنا رواندي"، في محاولة لتعزيز الانتماء الوطني وتجاوز الهويات الضيقة التي كانت جزءاً من أسباب الحرب.

سناك سوري-خاص

في أي بلد يعاني من ويلات الحرب والانقسامات، تكتسب اللغة المستخدمة في البيانات الرسمية أهمية مضاعفة، فهي تتجاوز كونها مجرد عبارات بروتوكولية لتصبح مؤشراً على رؤية الدولة لمواطنيها ورسالة تحدد طبيعة العلاقة معهم. ومع ذلك، تشهد بعض الصفحات الحكومية السورية منذ بداية العام تكراراً ملحوظاً لذكر أسماء الطوائف في بيانات اللقاءات والوفود، مما يثير تساؤلات حول تأثير هذه الصياغات على النسيج الوطني وأهمية العودة إلى خطاب يعلي الانتماء السوري فوق أي انتماء فرعي.

ففي الأشهر الماضية، نشرت صفحة رئاسة مجلس الوزراء خبراً عن استقبال وفد رسمي من "الطائفة الشيعية". وقبل أيام، نشرت صفحة خبر استقبال العميد "عبد العزيز هلال الأحمد"، قائد الأمن الداخلي في المحافظة، وفداً من أبناء "الطائفة المرشدية". وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تذكر فيها صفحة المحافظة أسماء الطوائف في بياناتها منذ كانون الثاني الماضي.

ووفقاً لرصد أجراه سناك سوري على صفحات محافظات اللاذقية، طرطوس، دمشق، ريف دمشق، حماة، حمص، السويداء، فقد تبين تكرار ذكر أسماء الطوائف في سياقات مختلفة، مثل التعزية والاستقبال والتهنئة.

عوضاً عن ذكر أسماء الطوائف علانية يمكن استبدالها بعبارات مثل "وفد من وجهاء المحافظة"، وبحال استبدلنا اسم الطائفة بهذه العبارة لن يتغير المعنى أبداً وستؤدي ذات الغرض مقالات ذات صلة
  • الثلاثاء, 19 أغسطس 2025, 11:49 ص
  • الأحد, 17 أغسطس 2025, 1:04 م

ففي اللاذقية، ومنذ بداية العام، ورد ذكر أسماء الطوائف بمعدل 7 مرات، وفي طرطوس 5 مرات، وحمص مرة واحدة، ودمشق 7 مرات، وريفها 6 مرات، وحماة مرة واحدة، مقابل 7 مرات في السويداء.

ولم تقتصر الإشارة إلى أسماء الطوائف علانية على صفحات المحافظات، بل أصبح ذكر اسم طائفة ما على الإعلام الرسمي، مثل "قناة الإخبارية"، أمراً معتاداً، يقابله خطاب طائفي وتحريضي كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجاه طوائف معينة، دون تدخل من السلطة للحد من ذلك وتجريمه حتى الآن، على الرغم من المخاطر الكبيرة المترتبة على ذلك. السوريون لم يعتادوا مثل هذا الخطاب الرسمي، وبالنسبة للكثيرين، فإن ذكر الانتماء من جهة رسمية يفتح باب التأويل، ويبدو وكأن الدولة تخاطب مواطنيها بصفتهم المذهبية لا بصفتهم الوطنية.

تكريس الهويات الضيقة على حساب الهوية الجامعة

عموماً، لا يمكن اعتبار هذا النمط من الصياغة، سواء في الخطاب الرسمي أو عبر وسائل الإعلام الرسمية، مجرد تفصيل لغوي عابر، فترسيخ الهوية الوطنية يتطلب بالضرورة الابتعاد عن أي تصنيفات دينية أو مذهبية في البيانات الصادرة عن مؤسسات الدولة، والتركيز على الصفات الجامعة التي تساوي بين جميع المواطنين.

مدربة المواطنة صباح حلاق: الخطاب الرسمي يجب أن يتبنى الحياد والمواطنة، أن يكون خطاباً وطنياً ومواطنيا.

الخطاب الطائفي مرفوض

الناشطة النسوية ومدربة المواطنة "صباح حلاق"، قالت لـ"سناك سوري"، إن استخدام اسم الطوائف بتلك الطريقة في البيانات الرسمية لا يمثل خطاب مواطنة، وأضافت أن الخطاب المستخدم يجب أن يكون وطنياً بحتاً، ولا يسمي المكونات السورية، وأكدت أن الخطاب كلما كان جامعاً كلما كان مواطنياً أكثر.

وأضافت "حلاق" أن الإعلام الرسمي يمثل السلطة ويعكس رؤيتها لبقية المكونات السورية، سواء كانت قومية أو طائفية أو مناطقية، وأشارت إلى أنه كان من المفترض أن تتضمن المرحلة الانتقالية حواراً وطنياً حقيقياً يناقش جذور الأزمات في سوريا والتي أدت إلى النزاع، ومن بينها الجنس والسياسة، وهما من المحرمات طيلة عقود حكم النظام السابق.

واعتبرت أن سبب الاحتقان الطائفي الموجود حالياً في سوريا هو أن السوريين لم يعتادوا أن يتحدثوا أو يتعرفوا على بعضهم البعض، ولا يعلم معظمهم عن الأديان والطوائف الأخرى، وبالتالي فإن عدم وجود هذه المعرفة أدى إلى احتقان طائفي كبير.

وأضافت أنه من المتعارف عليه أنه كلما ضعفت الدولة تقوى الهويات الأولية، مثل الهوية الطائفية والقومية، وهذا ما حدث بالضبط بعد مجازر الساحل، ويتكرر اليوم في السويداء.

وأكدت "حلاق" أن الخطاب الطائفي، سواء من الإعلام الرسمي أو المحسوبين على السلطة الحالية، لا يبني سلاماً ولا يؤسس لسلم أهلي أو لمرحلة انتقالية تنقل سوريا من دولة الاستبداد إلى دولة الديمقراطية والمواطنة، مشيرة إلى أنه كلما تعزز خطاب الطائفية والكراهية وتصنيف الناس على أساس هوياتهم الأولية، كلما زادت الشروخ أكثر، ووصفت الأمر بالمرعب لمستقبل سوريا والواقع الحالي.

ووفقاً لـ "حلاق"، يجب أن يتبنى الخطاب الرسمي الحياد والمواطنة، وأن يكون خطاباً وطنياً ومواطنياً، كما يجب أن يجرم التمييز الطائفي والعرقي والجنسي، وأن تكون هناك مساءلة لأي خطاب يعزز الكراهية ويزيد الشرخ الطائفي، مضيفة: «يفترض أن يكون حوار مواطنة موجه لكل المواطنين والمواطنات، هذا ما يبني سوريا».

لا يمكن القول إن الخطابات الرسمية طائفية بالكامل، لكن مجرد مرور اسم الطوائف ولو لمرة واحدة في خطاب تعامل الدولة مع مواطنيها سينعكس سلباً على الهوية الوطنية. وتفادي ذلك يبدأ من خطاب جامع، يتعامل مع الناس على أساس مواطنتهم لا انتماءاتهم، ويحافظ على مسافة واحدة من الجميع، ليكون بالفعل مظلة تحمي المجتمع وتعيد ترميم نسيجه.

الوسوم

مشاركة المقال: