الأحد, 28 سبتمبر 2025 05:31 PM

اللطامنة: ظروف معيشية قاسية تعيق عودة النازحين رغم زوال خطر القصف

اللطامنة: ظروف معيشية قاسية تعيق عودة النازحين رغم زوال خطر القصف

عنب بلدي – محمد كاخي

عانَت مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي، مثلها مثل العديد من المدن والبلدات السورية الأخرى، من قصف مستمر بالبراميل المتفجرة والقذائف والغارات الجوية خلال الفترة ما بين عامي 2011 و 2018. ووفقًا لإحصائيات مجلس البلدة، فقد دُمر 90% من مرافق ومنازل البلدة بشكل كامل.

نتيجة للعمليات العسكرية والحصار الذي فُرض على البلدة، نزح أهالي اللطامنة إلى مناطق مختلفة خلال سنوات الثورة السورية، بما في ذلك محافظة إدلب ومخيمات أطمة ودير حسان، بينما لجأ آخرون إلى تركيا. وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في كانون الأول 2024، واجه الأهالي واقعًا مريرًا في البلدة المدمرة، حيث حالت الظروف الصعبة دون عودتهم إلى ديارهم، على الرغم من زوال سبب النزوح. ويواجه أولئك الذين تمكنوا من العودة ظروفًا معيشية معقدة بسبب تدهور الخدمات في البلدة.

دمار كبير وموارد محدودة

يُعد الدمار الهائل الذي لحق بمنازل الأهالي ومرافق البلدة أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع المحلي، حيث يفوق حجم الدمار قدرات معظم السكان. ولا يستطيع من عاد إلى منزله البدء في عملية إعادة الترميم قبل إزالة الأنقاض، وهي عملية تتطلب ما لا يقل عن 500 دولار أمريكي لكل منزل، بحسب الأهالي.

قال رئيس مجلس بلدية اللطامنة، عبد الناصر الصالح، لعنب بلدي، إن عدد العائدين إلى المدينة بعد سقوط النظام بلغ حوالي 2300 عائلة، بالإضافة إلى حوالي 300 عائلة كانت تقيم على أطراف البلدة وفي المزارع، ليصبح إجمالي عدد المقيمين حاليًا في البلدة حوالي 2500 عائلة. وأوضح الصالح أن نسبة الدمار في البلدة كبيرة، حيث بلغت نسبة دمار المنازل والمرافق العامة 90% تقريبًا.

من جهته، ذكر الناشط المدني في بلدة اللطامنة، محمد أبو صوان، لعنب بلدي، أن مبادرة "الأيادي البيضاء" أعادت 2000 عائلة من المخيمات ومناطق أخرى، من خلال تنظيم قوافل لنقلهم وأمتعتهم من أماكن وجودهم. وأضاف أبو صوان أن بعض الأهالي ممن لديهم القدرة قاموا بترميم منازلهم، بينما قام آخرون ممن لا يملكون القدرة على الترميم الكلي بترميم غرفة ومطبخ بشكل مؤقت، بانتظار الحصول على المساعدة في المستقبل. وأشار إلى أن هناك منازل تحتاج إلى الإزالة بشكل كامل، ولا يملك أصحابها القدرة على ترميمها أو إصلاح جزء منها.

أحد الأهالي العائدين حديثًا، أحمد السطوف، قال لعنب بلدي، إن عملية الترميم هي أصعب المشكلات التي تواجه من يرغب في العودة. وأضاف أنه من الصعب العثور على منزل جيد يمكن السكن فيه، وأن بعض الأهالي قاموا بنصب خيام فوق بيوتهم المدمرة للسكن فيها.

الخدمات تؤخر العودة

تواجه البلدة وضعًا خدميًا مترديًا يؤخر عودة الأهالي، وفقًا لشهادات الأهالي والناشطين في المنطقة. فالدمار الذي لحق بالمستوصف والمدارس والأفران وشبكة الكهرباء والماء يجعل الحصول على هذه الخدمات أمرًا صعبًا، وأحيانًا مستحيلًا، بحسب الأهالي.

أكد رئيس مجلس بلدية اللطامنة، عبد الناصر الصالح، لعنب بلدي، أن جميع الأهالي المقيمين في المخيمات حاليًا يرغبون في العودة إلى المدينة، إلا أن الصعوبات الخدمية تمنعهم من ذلك، ومن بين هذه الصعوبات عدم توفر المدارس الكافية، وحاجة شبكة المياه إلى الكثير من الإصلاح ودعم الضخ، بالإضافة إلى عدم توفر الكهرباء بشكل كافٍ لكل المدينة، وحاجة شبكة الصرف الصحي إلى عمليات تأهيل وتنظيف بسبب الدمار الذي لحق بها.

ذكر العائد أحمد السطوف، لعنب بلدي، أنه يسكن في البلدة منذ أشهر دون كهرباء، وأنه تقدم بطلب لاستقدام عمودَي كهرباء لحارته، ولكن لم تتم الاستجابة لطلبه حتى الآن. وقد تواصلت عنب بلدي مع مديرية كهرباء حماة للحصول على توضيح، إلا أنها لم تتلقَ ردًا حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

أوضح رئيس بلدية اللطامنة لعنب بلدي أن المبادرات الحكومية وعمل المنظمات الإغاثية لا يزال أقل من المطلوب، ولا يغطي احتياجات البلدة. وأشار إلى أنه باستثناء مبادرة تركية لترميم إحدى مدارس البلدة، ومبادرة إماراتية لتأهيل مجمع مدارس آخر، وحملة "حماة تنبض من جديد" التي ساعدت في إزالة بعض الأنقاض، لا توجد أي مبادرات أخرى ساهمت في إعادة الحياة إلى البلدة، بحسب الصالح. وأضاف أنهم تقدموا بالكثير من المطالب إلى الحكومة التي من شأنها تسهيل عودة النازحين، وحصلوا في المقابل على وعود بالمساعدة من المحافظة.

أوضح الناشط المدني في البلدة، محمد أبو صوان، أن الجهات الحكومية عملت على إصلاح شبكات المياه، وتوسيع شبكة الكهرباء بشكل بسيط، إلا أن هذه العمليات تم تمويلها من تبرعات الأهالي، واكتفت المؤسسات الحكومية بالإشراف فقط.

قال العائد أحمد السطوف إن الخدمات في البلدة سيئة، فمياه الشرب تصل يومًا وتغيب ثلاثة، وبعض الحارات لم تصل إليها المياه منذ أشهر بسبب ضعف الضخ، وأسعار السلع والمواد المعيشية أكثر غلاء مقارنة بمدينة إدلب أو المخيمات. وأضاف أن الوضع في المدارس "مأساوي"، حيث يبلغ عدد طلاب البلدة قرابة ثلاثة آلاف طالب، بينما توجد في البلدة مدرستان فقط، وقد يضطر بعض الطلاب من أماكن بعيدة في البلدة إلى المشي قرابة سبعة كيلومترات للوصول إلى مدرستهم، وقد يتجاوز عدد الطلاب في الصف الواحد 60 طالبًا.

أشار الناشط المدني أبو صوان في حديثه إلى عنب بلدي، إلى أنه تم ترميم مدرستين ثانويتين، وكتلة واحدة فقط من مدرسة إعدادية، وأن هذه إحدى أكبر المشكلات التي تواجه العائدين إلى البلدة أو الذين ينوون العودة. وأوضح أحمد أن البلدة بكاملها لا يوجد فيها طبيب ضمن النقطة الطبية، وهي نقطة قائمة على متطوعين من القرية من الممرضين فقط، كما تغيب الكثير من الأدوية المطلوبة عنها، ومن غير المعروف إلى الآن متى سيتم إرسال أطباء إلى النقطة.

بين نارين

وفقًا لأهالٍ وقاطنين في مخيمات الشمال السوري، نقلت الكثير من المنظمات الإغاثية نشاطات عملها من المخيمات إلى داخل المدن الكبرى بعد سقوط النظام، وتوقف الدعم عن بعض المنظمات أيضًا بعد قرار إيقاف خدمات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المسؤولة عن تقديم المساعدات الإنسانية في الخارج، مطلع العام الحالي.

أحد سكان المخيم، وهو من بلدة اللطامنة، محمد الفياض، قال لعنب بلدي، إن "الأوضاع الخدمية في المخيم ساءت للغاية بعد سقوط النظام"، فتفاقمت أزمة النفايات، وباتت تملأ أرض المخيم وتنشر الأمراض بين الأهالي والأطفال، وانسحبت بعض النقاط الطبية من المخيم، كما يضطر الأهالي إلى شراء مياه الشرب بسبب عدم توفرها. وأضاف محمد أنه بالرغم من الخدمات شبه المنعدمة في المخيم، فإن سكان اللطامنة في المخيم يفضلون البقاء، ومن بقي أكثر بكثير ممن عاد، إلا أنهم وقعوا بين نارين، العودة إلى منازل مدمرة وبلدة دون خدمات، أو البقاء في مخيم تنتشر فيه القمامة وتندر الخدمات.

وأشار إلى أن المدارس في المخيم جيدة، على عكس حالها في اللطامنة، وهو أحد أهم الأسباب الذي يجعل الأهالي يفضلون البقاء في المخيم، إذ يعتبرون تعليم أطفالهم "خطًا أحمر" لا يمكن تجاوزه. وأضاف أن الواقع الأمني للمخيم، ونقص المياه والمساعدات، هما ما يؤرق الناس الآن، ويطالب الأهالي في المخيمات، بحسب محمد، الجهات الحكومية بالتوجه إلى هذه المخيمات للاطلاع على مشكلات سكانها، وتوضيح مصيرهم وما ينتظرهم، وطالب محمد المعنيين بـ"خطة طوارئ" يتم فيها تحسين أوضاع المخيم وخدماته، إلى أن يستطيع الأهالي تأمين احتياجاتهم وسبل عودتهم.

مشاركة المقال: