يشهد "الإطار التنسيقي"، الذي يضم أبرز القوى الشيعية العراقية، تحركات مكثفة يقودها نوري المالكي، زعيم "ائتلاف دولة القانون"، في محاولة لإعادة تثبيت حضوره في تشكيل الحكومة المقبلة. هذه التحركات تتعارض مع حسابات خارجية لأطراف غير مستعدة لتكرار تجربة المالكي في رئاسة الوزراء، وفقًا لمصادر داخل "التنسيقي".
المالكي، الذي عاد إلى الواجهة كـ"المرشح الوحيد" الذي قدمه حزب "الدعوة"، يواجه تحفظات إقليمية ودولية. رغم نجاحه في كسر القطيعة السياسية مع أربيل بزيارته لمسعود بارزاني، زعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، إلا أن طريقه نحو "المنصب الأول" لا يزال محفوفًا بالتوازنات الحساسة داخل "الإطار التنسيقي" وبين القوى الكردية والسنية، وعلى طاولة واشنطن وطهران.
نائب فائز عن "التنسيقي" كشف لـ"الأخبار" أن واشنطن أرسلت رسالة واضحة للإطار مفادها أن عودة المالكي إلى رئاسة الوزراء غير مقبولة، معتبرة ذلك "انتصارًا للفصائل وتكريسًا للسلاح المنفلت". الرسالة الأميركية حذرت من أن أي حكومة برئاسة المالكي ستخلق "تعقيدات جدية" في التعاطي الدولي مع بغداد، خاصة في الملفات الأمنية والاقتصادية.
المفارقة أن طهران نفسها لا تبدي حماسة كبيرة للمالكي، وإن لم تعبر عن رفض صريح له. التحفظات الإيرانية تتعلق بمخاوف من انفجار تناقضات "التنسيقي" في حال فرض المالكي مرشحًا وحيدًا لرئاسة الوزراء، مما قد يعيد الاصطفافات الشيعية إلى نقطة الصدام.
في المقابل، يعيش "التنسيقي" حالة تنافس مكتوم بين قياداته، مع صعوبة في التوصل إلى توافق سريع. اللجان التي شكلها "الإطار" تعمل وفق مسارين متوازيين: دراسة "مواصفات رئيس الوزراء" واختبار قدرة كل مرشح على ضمان دعم الكرد والسنة دون انقسامات داخل البيت الشيعي.
عبد الرحمن الجزائري، القيادي في "دولة القانون"، قال لـ"الأخبار" إن ترشيح المالكي جاء بإجماع مجلس شورى الحزب، لكنه أقر بأن "التنسيقي يواجه نقاشات داخلية عميقة حول شكل القيادة المقبلة". وأوضح أن "الصراع ليس على الأسماء بقدر ما هو على رؤية إدارة المرحلة المقبلة، ومن يمتلك القدرة على تحقيق توازن حقيقي بين مكونات الدولة".
زيارة المالكي لأربيل لم تكن بروتوكولية؛ فقد حمل إلى بارزاني مقترحًا بإعادة إحياء "التحالف التاريخي الشيعي – الكردي" وإعادة توزيع الأدوار. المالكي لمح إلى استعداده لقبول تولي "الديمقراطي" منصب رئاسة الجمهورية على حساب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، مقابل دعم ترشيحه لرئاسة الوزراء.
عباس الجبوري، مدير مركز "الرفد للدراسات"، أكد أن المالكي يسعى لكسب تأييد كردي يحدث اختراقًا داخل الإطار نفسه، محذرًا من أن "التدخل الإقليمي والدولي في هذا الملف بلغ درجة غير مسبوقة، وقد يكون العامل الحاسم في اختيار رئيس الوزراء".
رغم أن محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال، يمتلك كتلة هي الأكثر عددًا ضمن "التنسيقي"، فإن حظوظه تتراجع كلما ازداد ضغط جناح المالكي. الجبوري يرى أن "تحركات المالكي محاولة جادة لاستعادة رئاسة الوزراء، لكن موقف واشنطن وتحفظ طهران قد يعيدان ترتيب المشهد بطريقة لا يتوقعها أحد".
في ندوة أقامها مركز "الضوء"، اعتبر أستاذ العلوم السياسية، عبد الجبار أحمد، أن "المشهد لا يزال ضبابيًا، وحظوظ السوداني قائمة، وكذلك المالكي، إلى جانب شخصيات أخرى يجري الترويج لها إعلاميًا". بشار الساعدي، نائب تيار "الفراتين" بزعامة السوداني، أشار إلى أن "الكتلة النيابية الكبرى هي الإطار التنسيقي بلا نقاش، لكن كتلة الإعمار والتنمية هي الأكثر عددًا داخلها، وبالتالي تمتلك حظوظًا واقعية بأن يأتي رئيس الوزراء منها".