الخميس, 29 مايو 2025 01:10 AM

برج ترامب في دمشق: هل هو بداية إعادة إعمار أم نصب تذكاري للتطبيع؟

برج ترامب في دمشق: هل هو بداية إعادة إعمار أم نصب تذكاري للتطبيع؟

سيكون برجاً عملاقاً، من المُحتمل أن تبلغ كلفة الإعمار حوالى 200 مليون دولار، يتألف من 45 طابقاً، وعلى سطحه سيحفر اسم بطل العالم بالذهب: ترامب.

الاسم المُذهّب بمثابة تاج مهيب يكلّل البرج الذي اتخذ من ترامب اسماً له. إنه «برج ترامب» الذي سيعلو سماء دمشق عما قريب.

نشرت صحيفة «غارديان» أخيراً تقريراً عن إحدى الخطط المتعلقة بإعادة الإعمار في سوريا التي تبدو قيد التحضير: «برج ترامب». الصحيفة البريطانية أفادت بأنّ شركة «تايغر»، التي يقع مقرها في الإمارات، ستتكفّل ببناء هذا المشروع الهادف في الدرجة الأولى إلى «جذب اهتمام الرئيس الأميركي» الذي سيزيّن اسمه سطح البرج مثلما تتوّج حبّة الفريز قالب الحلوى.

رئيس مجموعة شركة «تايغر»، رجل الأعمال السوري الحائز الجنسية الإماراتية، وليد محمد الزعبي، لم يوارب في حديثه لـ«الغارديان»، بل اعترف علانيةً بأنّ هذا المشروع يسعى إلى إرضاء السيد الأميركي، مضيفاً أن «برج ترامب» في دمشق هو «رسالة، فقد عانى هذا البلد وأنهك شعبه، وخاصة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة من الحرب، ويستحق أن يتخذ خطوة نحو السلام».

وبما أنّ «برج ترامب»، كما يتصوره الزعبي، يحمل «رسالةً» ويوحي بـ«السلام»، فقد كان جائراً وصفه بـ«نُصب تذكاريّ» كما فعل كاتب التقرير.

في التفاصيل أفادت «غارديان» أنّ وليد الزعبي سيزور دمشق لتقديم طلب رسمي من حكومة الشرع. وفي حال حصلت شركة «تايغر» على رخصة البناء، سيتوجّب على الزعبي من بعدها التواصل مع مجلس إدارة ترامب حتى يحصل على العلامة التجارية (Trump Tower) وعلى حقوق الامتياز.

لم يُحدَّد بعد المكان الذي سيُقام عليه هذا المشروع الإماراتيّ الذي سيستغرق بناؤه ما يقارب ثلاث سنوات. تحقيق مشروع «برج ترامب» مرهون، في نهاية المطاف، بمصير العقوبات على سوريا.

وقد ذكر التقرير أنّ الخطوة التي أقدمت عليها «تايغر» في بناء «برج ترامب» تتزامن مع خطواتٍ سبَق للشرع أن أقرّها، مثل الانفتاح على الولايات المتحدة الأميركية، والتعاون النفطي بين البلدين، وضماناتٍ قدّمها لإسرائيل إذ توعّد بـ«عدم تهديد أمنها». هذا البرج، الذي يهدف إلى تقديم واجب الطاعة للسيد الأميركي، بدأت رحلة تنفيذه في التوسّل لمن هو معنيٌّ بهذا المشروع؛ الذي جاء تحديداً لكي يرضيه، هو، الذي نُقِش اسمه بالذهب.

«مين سرق العامود» يصاب قارئ التقرير بالذهول من فرط التبجيل النابع من قبل وليد الزعبي وزميله رضوان زيادة لدونالد ترامب. عباراتٌ على شاكلة: «نريد إرضاء ترامب»، و«نبتغي جذب اهتمام ترامب»، و«نريد عطف الرئيس وأن نكون على حسن ظنه» نراها تتكرر بغزارة، في حين أنّ السيّد ترامب لم يُعطِ موافقته بعد، لا على نقل العلامة التجارية الخاصة بفندقه، ولا في مسألة إزالة العقوبات نهائياً عن سوريا. ويبدو أنّ «برج ترامب» فاقدٌ للدعائم قبل أن ينشأ. أعمدة ارتكاز العمارة هشّة جداً، غير قادرة على حماية مالكيه من السقوط في أيّ لحظة. الظاهر أنّ «برج ترامب» هو حضور دونالد ترامب رمزياً في سوريا أكثر مما هو برج تجاريّ يؤدي أدواراً خدماتية وترفيهية في سوريا الممزّقة.

تمثال التطبيع هكذا بات في وسعنا فهم صفة «نُصُبٍ تذكاريّ» المقرونة بـ«برج ترامب» على أنها دلالة عمرانية تشير إلى بزوغ شكل «حداثيّ» جديد مشتقّ من أنظمة الخليج التي تتشدّق بالأبنية الشاهقة وبالأبراج التي تعانق السماء. غير أنّ العناق الوحيد هنا يحصل مع حداثةٍ مشوّهةٍ مسؤولة أكثر من غيرها عن الكارثة.

ليس «برج ترامب» تحديثاً فعلياً، بقدر ما هو مصالحة مع صانع الكارثة. يغدو «الحداثيّ» إذاً وليد سلفه المشوّه أي الحداثة المشوّهة. مع «برج ترامب» نحن إزاء حداثة التطبيع.

والحال أنّ وليد الزعبي قد أفصح أنّ «برج ترامب» خطوة «نحو السلام»، وهذا توكيد على أنّ «الحداثة» (العربية)، ولو أنها اختُزلت بصورة لاس فيغاس، لا تأتي إلا بشرط التطبيع مع إسرائيل.

كل أنواع الانفتاح والتقدّم وغيرها من السمات، ستجد البلدان الساعية إليها التضييق والحصار، إلا إن أرادت التطبيع مع إسرائيل. من يريد فنادق وأبراجاً عالية، عليه معانقة إسرائيل، عليه التودّد إلى ترامب وتقبيل يديه، عليه أن يكون صاغراً، وأن يُقدّم بلاده بالمجّان.

وهذا ما لم يجده خلف الحبتور في لبنان، فقرّر سحب استثماراته بعدما شعر باليأس.

ولعلّ وليد الزعبي السوري الإماراتيّ، الذي يستفيد من كونه سورياً حتى يُمارس سياسة إماراتية، يصقل من دور الإمارات في أخذها لسوريا وسيطاً يربط الإمارات مع الولايات المتحدة الأميركية.

في هذه الحالة، تستطيع الإمارات منافسة نظيرتها قطر: أنتم أهديتم الرئيس طائرةً خاصة، نحن نحوّل له البلدان إلى سوق عقارات.

وفي سوق العقارات هذا، تشتري إسرائيل، بغير أموالها، سيادة الدول، ويحضر «برج ترامب»، بعد رحلة طويلة من العار، كتمثالٍ للتطبيع بعدما وصف زوراً بنصبٍ تذكاريّ. وللتطبيع مُثُل عُليا اسمها الإمارات؛ الدولة «الحديثة» التي تحتلّنا من دون أيّ رادعٍ أو مقاومة.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: