الخميس, 27 نوفمبر 2025 11:49 AM

بعد عام على معركة "ردع العدوان": كيف غيرت 11 يومًا وجه سوريا والمنطقة؟

بعد عام على معركة "ردع العدوان": كيف غيرت 11 يومًا وجه سوريا والمنطقة؟

عام مضى على معركة "ردع العدوان"، تلك المواجهة التي استمرت 11 يومًا وأدت إلى تغييرات جذرية في المشهد السوري، بعد أكثر من 50 عامًا من حكم "النظام السوري" الذي وصف بأنه حكم بالحديد والنار، و 14 عامًا من الثورة التي شهدت مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.

قد تبدو 11 يومًا فترة قصيرة، لكنها كانت تتويجًا لسنوات من التحضير والإعداد، وسبقتها سنوات من المعارك بين فصائل المعارضة و"النظام السوري" وحلفائه الذين عبروا الحدود بدوافع طائفية. العمليات العسكرية فاجأت العالم بسرعتها، حتى المخططين والمنفذين أنفسهم، الذين توقعوا أن تستمر لأشهر.

في هذه المعركة، تضافرت جهود فصائل كانت متناحرة، وخاضت معارك بينية أوقعت مئات الضحايا.

إشاعات سبقت المعركة

قبل شهر من انطلاق معركة "ردع العدوان"، انتشرت إشاعات عن عملية عسكرية مرتقبة عبر تطبيقات "واتساب" و"تلجرام" في شمال غربي سوريا، لكنها لم تحدد وجهة المعركة أو تفاصيلها. في المقابل، تحدثت معلومات عن تحضيرات لعملية عسكرية للنظام للسيطرة على إدلب وريفها. التكهنات كثرت، حتى اعتبرها البعض مجرد "دعاية إعلامية".

الإشاعات أثرت على المنطقة، ودفعت بعض المدنيين في مناطق التماس إلى النزوح، بالإضافة إلى تصعيد محدود في القصف من طيران النظام وحليفته روسيا.

حرب إعلامية أم نتيجة التحضيرات؟

الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع" (مسداد)، معتز السيد، يرى أن الأنباء التي سبقت عملية "ردع العدوان" كانت نتيجة طبيعية للتحضيرات الميدانية واللوجستية التي لا يمكن إخفاؤها بالكامل. السرية والمباغتة كانتا من أهم عوامل نجاح المعركة. تحركات الأرتال، وتعزيز المواقع، وتكثيف التدريبات، وإزالة السواتر والألغام، كلها دلائل ملموسة على أن معركة وشيكة يجري التحضير لها.

تداول الأخبار لم يكن مجرد محاولة للتأثير النفسي على الخصم، بل قراءة واقعية للوضع الميداني، والاستعدادات كانت تسير بخطوات منهجية نحو ساعة الصفر.

الأربعاء الحافل.. ساعة الصفر

"إننا في إدارة العمليات العسكرية، وبإرادة لا تلين، وعزم لا ينكسر، نعلن بدء عملية عسكرية لردع العدو، ودحر قواته المحتشدة، وإبعاد نيرانه عن أهلنا". هذه الكلمات التي أعلنها المقدم (حينها) حسن عبد الغني، كانت بمثابة البيان الأول، والذي لحقه مسمى "إدارة العمليات العسكرية" وهو الاسم الذي جمع معظم فصائل المعارضة في بوتقة واحدة، وأدار دفة الحرب حتى ما بعد إسقاط الأسد، لتنتهي بتشكيل وزارة الدفاع السورية.

لم تكشف "الإدارة" عن أسماء المشاركين، ولكن أشارت المعطيات إلى أن "هيئة تحرير الشام" كانت على رأس حربة في المعركة، بالإضافة إلى فصائل أخرى من "الجيش الوطني السوري" وعلى رأسها "الجبهة الشامية" بالإضافة إلى "حركة نور الدين الزنكي".

عبد الغني، قال إن العملية "تشارك فيها أغلب فصائل الثورة العاملة في شمال غربي سوريا كاستحقاق ثوري وواجب مرحلي".

"ردع العدوان".. عنوان "خادع"

"ردع العدوان"، اسم يعده البعض خادعًا، لما حمل من معانٍ تظهر وكأنها عملية محدودة، تهدف إلى العودة لحدود أستانة، والتوسع في الرقعة الخضراء، التي خسرتها المعارضة بين عامي 2018 و2020. وما جرى من أحداث، كشف أن الهدف كان أبعد من ذلك، نحو "ردع العدو (النظام السوري) إلى خارج حدود الخارطة السورية"، كما عبر المقدم عبد الغني، أيقونة العملية الإعلامية، والناطق باسمها.

سيرتها الأولى

صباح الأربعاء ذاك، أعاد إلى أذهان السوريين السيرة الأولى لبدء المعارك العسكرية ضد النظام، وأيقظ في ذاكرتهم أيامًا تعود إلى عامي 2012 و2013، حيث كانت ذروة الحرب، والأيام الذهبية للمعارضة، التي سيطرت حينها على أكثر من نصف مساحة سوريا. القذائف والصواريخ طالت مناطق المدنيين، في دارة عزة وريف حلب الغربي والمنطقة الصناعية بمدينة إدلب وقريتي القرقور والخربي شمالي حماة. وتوسع الاستهداف فيما بعد ليطال مناطق جديدة، منها الأتارب وإدلب المدينة، كما نزح سكان المناطق المحاذية لنقاط الاشتباك، نحو مناطق في الداخل.

الرصاصة الأولى في ريف حلب الغربي

أطلقت الرصاصة الأولى في معركة "ردع العدوان" على محور ريف حلب الغربي، انطلاقًا من بلدتي عنجارة وقبتان الجبل، والبلدات والقرى المحيطة بها. "الفوج 46"، أصبح بأيدي مقاتلي "إدارة العمليات العسكرية"، بالإضافة إلى 16 نقطة، مابين قرية وبلدة وقطعة عسكرية، تقدر مساحتها بأكثر من 140 كيلومترًا مربعًا. وواصلت الفصائل تقدمها في اليوم التالي، لتصل أبواب مدينة حلب، على بعد كيلومترين اثنين، بعد أن قضمت عشرات النقاط من يد النظام، ما بين قطع عسكرية، بعضها يعتبر استراتيجي، إلى جانب بلدات وقرى أبرزها خان العسل. وفي اليوم الثالث، أعلنت "إدارة العمليات العسكرية" سيطرتها على كامل المنطقة الإدارية لريف حلب الغربي، بعد معارك وصفها المقدم عبد الغني بـ"العنيفة" ضد قوات النظام استمرت لأكثر من 36 ساعة متواصلة. وصارت الفصائل على مشارف مدينة حلب وقطعت الطريق الدولي "M5".

هدفان لاختيار المحور

اختيار محور غربي حلب لبدء العملية لم يكن صدفة، بل ارتبط بهدفين رئيسيين "واضحين" منذ البداية. الهدف الأول يتمثل بأن النظام كثّف التصعيد على هذه الجبهة قبل العملية، مستخدمًا الطيران المسيّر بشكل يومي، ما أدى إلى سقوط عشرات المدنيين في المناطق المحيطة. والهدف الثاني، هو تهديد النظام في حلب الذي يحمل مكاسب سياسية وعسكرية "بالغة الأهمية".

محاور إدلب تدخل على الخط

دخل محور ريف إدلب الشرقي في اليوم الثاني من المعركة، في 28 من تشرين الثاني 2024، انطلاقًا من قرى داديخ وجوباس وكفر بطيخ. وتوسعت العملية في اليوم الثالث في ريف إدلب الشرقي والجنوبي، ليشمل مناطق جديدة، أبرزها مدينة سراقب الاستراتيجية، الواقعة على طريق حلب- دمشق الدولي، وهي نقطة تقاطع لخطي الـ"M 4" و" M5" الدوليين. وتوالى سقوط المدن والبلدان بشكل متتابع، خلال أيام المعارك الأولى، لتعلن في 30 من تشرين الثاني 2024، السيطرة على كامل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب.

حلب.. صباح مختلف

منذ اليوم الأول للمعركة بدا أن "إدارة العمليات العسكرية" تهدف للاقتراب من مدينة حلب، على أقل تقدير، إلا أن تقدمها السريع، وضع السيطرة على المدينة، قاب قوسين أو أدنى، خاصة في اليوم التالي من المعركة، بعد اقترابها من خان العسل، والبلدات الغربية من حلب. وفي 29 من تشرين الثاني 2024، استطاعت المعارضة الدخول إلى أول أحيائها، من الجهة الغربية، لتطأ أقدام مقاتلي الفصائل، المدينة التي خرجوا منها أواخر عام 2016 عبر الباصات الخضراء. وفي 30 من تشرين الثاني 2024، سطعت الشمس، لأول مرة، على مدينة حلب، وهي خارج سلطة النظام كليًا، بعد أن استكملت "إدارة العمليات العسكرية" السيطرة على المدينة، بعد ليلة لم تشهد اشتباكات على مدى واسع. وبقي حيا الأشرفية والشيخ مقصود، وحتى اللحظة، تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد). وواصلت المعارضة تمشيط المدينة، والسيطرة على باقي النقاط التي كانت ما تزال تحت يد النظام، لتنهي وجوده في المنطقة، خلال ساعات.

حماة.. كر وفر

بعد السيطرة على حلب، اتجهت أنظار المقاتلين في "إدارة العمليات العسكرية" إلى مدينة حماة، إلا أن الطريق إليها لم يكن معبدًا. ومر المقاتلون بعدة مدن وبلدات سبقت السيطرة على حماة، وتخللتها انسحابات وانتكاسات في خضم الانتصارات التي سجلتها "إدارة العمليات العسكرية"، لا سيما مع وقوع تلال استراتيجية أخّر وصولهم، أبرزها جبل زين العابدين، الذي تأخر سقوطه وتمشيطه إلى ما بعد الدخول إلى المدينة. وسجل مقاتلو "إدارة العمليات العسكرية" أول دخول إلى أحياء مدينة حماة في 30 من تشرين الثاني 2024، إلا أن ذلك لم يترجم إلى سيطرة على المدينة إلا بعد خمسة أيام.

حمص بعد حماة

في 5 من كانون الأول 2024، خرج "أبو محمد الجولاني" (الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع) وكان حينها قائد "إدارة العمليات العسكرية"، بتسجيل مصور وخلفه مجسم لساعة حمص الشهيرة، وهو يقول: "أبشركم إخواني، أن إخوانكم المجاهدون الثوار، قد بدأوا بالدخول إلى مدينة حماة، لتطهير ذلك الجرح الذي استمر 40 عامًا". أشار هذا التسجيل إلى أن قوات "ردع العدوان" وضعت السيطرة على حمص نصب أعينها، وهو ما ترجم لاحقًا إلى عمليات عسكرية تدل على نية لدخول ما عرفت بـ"عاصمة الثورة". ولم تهدأ المعارك بعد السيطرة على حماة، واستمرت بوتيرتها السريعة، تلتهم المناطق الحمراء، وتحيلها إلى خضراء. وفي 6 من كانون الأول 2024، كانت مدينتا الرستن وتلبيسة تنتظران دخول قوات المعارضة، إذ تحررتا من قبضة جيش النظام قبل وصول فصائل "إدارة العمليات العسكرية". ومع دخول الساعات الأولى من مساء 7 من كانون الأول 2024، كان مقاتلو "إدارة العمليات العسكرية" يطوفون حول ساعة حمص بأسلحتهم، معلنين السيطرة على المدينة.

الجنوب السوري.. نحو ساحة الأمويين

محافظتا درعا والسويداء، جنوبي سوريا، كان لهما وضع مختلف في المعركة، إذ لم تسجل "إدارة العمليات العسكرية" وجودًا فيزيائيًا في المنطقة، إلا أنها أعلنت التنسيق مع فصائل عملت في المحافظتين. وخرج بيان، في 6 من كانون الأول 2024، ليعلن عن "غرفة عمليات الجنوب" وروّسته الغرفة بعبارة "وجهتنا دمشق، والملتقى ساحة الأمويين". وجمع الغرفة فصائل من درعا والسويداء والقنيطرة، والتي نفذت عمليات ضد مواقع في المحافظات الثلاث، أنهت وجود النظام في تلك المناطق خلال ساعات. وفي اليوم التالي، توالت الانهيارات في صفوف النظام، لتسقط درعا وتلحقها السويداء، وتخرجان من قبضة قوات الأسد، ومثلها القنيطرة بعد ساعات قليلة.

8 كانون الأول 2024.. ليلة سقوط النظام

الساعات الأولى لفجر الأحد، 8 من كانون الأول 2024، بدأت الأخبار تتوالى عن انهيار النظام، وتساقط المدن والبلدات في محيط العاصمة السورية دمشق، دون أي مقاومة، ما بعث بإشارة إلى أن سقوط النظام قد أوشك. أول إشارة، كانت دخول مقاتلين معارضين إلى سجن "صيدنايا"، وفتح أبواب أحد أشد السجون سوءًا في التاريخ السوري الحديث، في مشهد تكرر مع كل مركز اعتقال في المدن التي دخلتها "إدارة العمليات العسكرية". ومع خروج المعتقلين، بدأت الفظاعة التي كانت حبيسة أسوار "صيدنايا" تظهر إلى العلن، وهو ما حملته وجوه المعتقلين والمعتقلات الذين تنفسوا الحرية بعد سنوات من القمع والتعذيب، سواء في "صيدنايا" أو غيره.

وعند الساعة 6:16 فجرًا، أعلنت "إدارة العلميات العسكرية" هروب الرئيس السوري، وأن "دمشق حرة من الطاغية بشار الأسد". وبعد ساعات محدودة، بزغت الشمس على العاصمة مع إعلان "غرفة فتح دمشق" التي تشكلت حينها، عن إسقاط النظام، على التلفزيون الرسمي السوري، في مشهد انتظره الكثير من السوريين لسنوات. وامتلأت ساحات المدينة بالحشود المحتفلة، رافعين العلم السوري الجديد (علم الثورة) لتنتهي معه ما سمي بـ"الحقبة الأسدية".

وتبين لاحقًا أن الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، فرّ إلى العاصمة الروسية موسكو، بطائرة أقلعت من مطار دمشق الدولي إلى قاعدة "حميميم" غربي سوريا، ومن هناك إلى مقر لجوئه الحالي، في روسيا.

ظروف مواتية

لطالما ارتبط المشهد السياسي السوري المعقد بدول الإقليم وتطورات الأوضاع في دول الجوار، لا سيما لبنان وإسرائيل والعراق، إذ كانت المنطقة تغلي بالأحداث، على عكس سوريا التي شهدت ركودًا لعدة سنوات، على الصعيد السياسي والعسكري. في قطاع غزة، اندلعت معركة "طوفان الأقصى" التي أشعلتها "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) في 7 من تشرين الأول 2023، أو ما يعرف بـ"7 أوكتوبر"، والتي امتدت نيرانها لتشمل لبنان، وعلى درجات أقل في سوريا. وبين إسرائيل وإيران، عبرت الصواريخ بين الجانبين، فوق الأجواء السورية، التي لم تكن أيضًا بمنأى عن الأحداث، إذ كانت دمشق حليفة طهران الأبرز، بالرغم من محاولات النظام السابق الخروج مما يسمى بـ"حلف المقاومة".

وعلى الصعيد العسكري، منح ركود المعارك بين عامي 2020 و2024، فرصة لفصائل شمال غربي سوريا، لا سيما "هيئة تحرير الشام"، فرصة لأخذ النفس وإعادة ترتيب البيت الداخلي وهيكلة القوات وإنشاء الأكاديميات العسكرية، وتطوير العدة والسلاح. بالمقابل، فإن الحسم في معركة "ردع العدوان" لم يكن فقط نتيجة التحضير الميداني والتكتيكي للفصائل، وفق ما يعتقده الباحث معتز السيد، بل ارتبط أيضًا بعوامل استراتيجية أوسع. والبداية كانت بانهيار منظومة الدفاع للنظام على خطوط التماس غرب حلب وجنوب إدلب، حيث فقد السيطرة على عشرات القرى والمواقع خلال أيام قليلة الذي اتبعه انهيار نفسي تام لجيش الأسد، وهو ما يعكس هشاشة البنية القتالية بعد سنوات من الاعتماد على الدعم الخارجي. يضاف إلى ذلك، منع وصول التعزيزات من الميليشيات الإقليمية، فالتصعيد الإسرائيلي والأميركي ضد خطوط الإمداد الإيرانية عبر العراق وسوريا حدّ من قدرة النظام على جلب قوات إضافية من خارج الجبهة، ما جعل وحداته الميدانية معزولة في مواجهة الهجوم. إضافة إلى تراجع دور "حزب الله "الذي كان يُعد الحليف الأقوى للنظام بفعل الضربات الإسرائيلية التي قضت على أبرز قادته و مخازن أسلحته في لبنان و سوريا. وأخيرًا، التفاهمات غير المعلنة مع روسيا لعبت دورًا في تقليص الغطاء الجوي للنظام، وفق السيد، فموسكو اكتفت بضربات محدودة على مناطق مدنية يمكن وصفها فقط بـ"الانتقامية". ويبقى العامل الأهم هو العقيدة القتالية لفصائل المعارضة و الحاضنة الشعبية التي "ناضلت" لأكثر من عقد للإطاحة بهذا النظام "المجرم" بحسب توصيف الباحث في "مسداد" معتز السيد.

مشاركة المقال: