الأحد, 23 نوفمبر 2025 06:18 PM

بين الأمل والواقع: لاجئون سوريون يتحدثون عن دوافع العودة وتحديات البقاء

بين الأمل والواقع: لاجئون سوريون يتحدثون عن دوافع العودة وتحديات البقاء

عنب بلدي – أمير حقوق: "لم تحفزني إزالة اسمي من فرع (فلسطين) الذي كنت مطلوبًا له، عند سقوط النظام السابق، لأعود إلى سوريا وأستقر فيها، فالعودة ليست فقط مسألة صعبة، بل محفوفة بالمخاطر، خاصة الجانبين الخدمي والاقتصادي منها"، هكذا أجاب مجد الأسمر حين سألته عنب بلدي حول أسباب عدم عودته إلى سوريا بعد التحرير.

الشاب الثلاثيني، المقيم في ألمانيا، قال إن عدم استقرار الوضع الاقتصادي وتحسنه بالشكل الأولي "يولد عقدة العودة"، متخوفًا من تردي القدرة المادية لدى أغلبية معارفه في سوريا، وعدم توفر فرصة عمل في حال عودته، مؤكدًا أن بقاءه في ألمانيا وحصوله على الجنسية، وتوفير حياة كريمة لأبنائه، أفضل من العيش في سوريا دون وجود مقومات الحياة الكريمة، مع ما يرافق ذلك من حوادث أمنية أحيانًا.

يوافقه الرأي أيوب خليل، بأن الأوضاع الاقتصادية لا تحفز العديد من اللاجئين السوريين على العودة، قائلًا، "بعد تحرير سوريا من نظام الأسد بعدة أشهر، عدت إلى سوريا من تركيا، مقررًا الاستقرار فيها، بجانب أسرتي وأهلي، ولكن صعوبة الأوضاع المعيشية، وعدم تأمين فرصة عمل مناسبة، بالإضافة إلى تدمير منزلي كليًا خلال قصف النظام، وعدم جدية كاملة من قبل الحكومة بإعادة الإعمار، جميعها دوافع أثارت رغبتي بالعودة إلى سوريا كزيارات فقط".

خليل أبدى ملاحظة على غياب الجودة بالخدمات التعليمية والصحية المقدمة، وغلاء الأجور مقارنة بالخدمة المقدمة، وهو ما كان سببًا بشأن اتخاذ قرار عودته مع أسرته، مطالبًا باستغلال عودة الكفاءات والدعم الدولي لسوريا للنهوض بقطاع الخدمات، وتأمين فرص اقتصادية جاذبة للسوريين في الخارج.

قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، في 1 من تشرين الثاني الحالي، إن عدد السوريين الذين عادوا من تركيا إلى سوريا بعد 8 من كانون الأول 2024، بلغ 550 ألف لاجئ.

وتشهد سوريا منذ سقوط النظام السابق عودة ملحوظة للاجئين السوريين، خاصة أن أغلبيتهم هاجروا لأسباب سياسية وأمنية ارتبطت به، بالمقابل، يخشى بعض اللاجئين من العودة حتى تستقر الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية.

أجرت عنب بلدي استطلاعًا للتعرف إلى آراء جمهور السوريين، حول ما إذا كانت الظروف مناسبة لعودة جميع اللاجئين إلى سوريا. ورأى 35% من أصل 2831 شخصًا شاركوا في الاستطلاع، أن الظروف مناسبة لعودتهم، بينما اعتبر 65% أنها غير مناسبة.

على النقيض.. دوافع العودة

بالمقابل، يجد سوريون سقوط النظام الحافز الأكبر لعودتهم من دول اللجوء، مهما كانت الأوضاع الاقتصادية والأمنية والخدمية ضعيفة، معتبرين أن تلك المشكلات تعالج وفق خطوات متدرجة.

وأرجع بعضهم رغبة العودة لأسباب عديدة، أهمها ضعف الترابط الاجتماعي وغياب التكاتف الأسري في بعض المجتمعات الأوروبية، التي قصدها السوريون كدول للجوء.

زياد أمون، واحد من السوريين العائدين من اللجوء بعد سقوط النظام، قال لعنب بلدي، إنه رغم توفر عناصر الحياة الكريمة لأي أسرة بأوروبا وغيرها، فإن المشكلة الأولى والأساسية التي يعاني منها غالبية اللاجئين السوريين هي غياب الحياة الاجتماعية.

وأوضح زياد، العائد من النرويج، أنه منذ عودته إلى سوريا غاب عنه شعور القلق والخوف والوحدة، مضيفًا أن الأوضاع الاقتصادية ربما تثير فكرة قراره بالعودة لدولة اللجوء أحيانًا، لكنه راضٍ بوجوده في سوريا مقابل الأمان الاجتماعي في بيته ومدينته وبلده.

أما أكرم لحلح، فيصف دوافع عودته نهائيًا من مصر إلى سوريا، بأن 14 عامًا من الاغتراب كافية لإعادة لمّ شمل السوريين، وأن المرحلة الحالية تحتاج إلى جميع قدرات السوريين للبناء، منوهًا إلى أنه اصطدم بالغلاء السائد في سوريا مقارنة بتكاليف إقامته والخدمات المقدّمة سواء تعليميًا أو صحيًا بالقاهرة في مصر، لكنه قرر البقاء والعيش في سوريا وتحمل ما يعانيه السوريون، وفق تعبيره.

ويرى الرجل الأربعيني، أن العودة النهائية للسوريين من دول اللجوء والاغتراب، تختلف من دولة لأخرى، ومن شخص لآخر، فهناك من اندمجوا خارج سوريا وصار من الصعب أن يعودوا للحياة التي عاشوها ضمن سوريا، وهناك آخرون على النقيض تمامًا، ما أسهم بعودتهم فورًا.

وهنا، عارضه مجد الأسمر، المقيم في ألمانيا، معتبرًا أن العودة يجب أن يرافقها تحسن في الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية، معتبرًا أن الجانب الاجتماعي لا يكفي وحده بمعزل عن باقي الجوانب التي تضمن العيش بمستوى جيد من الحياة الكريمة.

وقالت نائبة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كيلي كليمنتس، في 1 من أيلول الماضي، إن عدد السوريين العائدين من الخارج بلغ نحو 850,000 سوري، بالإضافة إلى 1.7 مليون آخرين عائدين من مناطق أخرى داخل سوريا، حتى تاريخه. أبرز الاحتياجات التي يواجهها العائدون هي توفير مأوى آمن، وخدمات صحية وتعليمية، بالإضافة إلى الحاجة إلى توثيق قانوني للعودة، إذ إن العديد من العائدين لا يملكون الوثائق اللازمة، أضافت كليمنتس.

عودة السوريين عبر معبر الحمام الحدودي – 5 تشرين الأول 2025 (الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية)
عودة السوريين عبر معبر الحمام الحدودي – 5 تشرين الأول 2025 (الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية)

الروابط الأسرية أم الظروف الاقتصادية؟

يتزايد الحديث يوميًا عن عودة اللاجئين السوريين، والمعوقات التي تحد من عودتهم، بينما تقارن دوافع العائدين السوريين من مختلف الدول بعد سقوط النظام، لتصبح المسألة مجرد مقارنة، وأي كفة ستغلب.

الباحثة الاجتماعية هبة الدرويش، قالت لعنب بلدي، إن الحديث عن دوافع وموانع العودة للاجئين السوريين، يستدعي مناقشة جوانب عدة، تتعلق بحياة اللاجئين في دول اللجوء مقارنة بالظروف التي يواجهونها في سوريا بعد سنوات من الحرب.

أحد الدوافع الأساسية لعودة اللاجئين إلى سوريا يتجسد في ما يسمى بـ"الحياة الاجتماعية" والأمان الاجتماعي، بحسب تعبيرها، فكثير من اللاجئين يحنون إلى مجتمعهم، وحياتهم قبل النزوح، حيث الروابط الأسرية والعلاقات الاجتماعية التي كانت تدعمهم وتخلق لهم بيئة اجتماعية مستقرة. العودة بالنسبة لهم هي فرصة لاستعادة هذا الاتصال، خصوصًا بعد أن فقدوا هذا الشعور في أماكن اللجوء، وهناك أيضًا من يعبرون عن رغبتهم في العودة إلى أماكنهم الأصلية، حيث القيم الثقافية والعادات المحلية التي تخلق إحساسًا بالانتماء، هذا النوع من الأمان الاجتماعي، والذي قد لا توفره لهم الحياة في الدول المضيفة، يمثل دافعًا كبيرًا للعديد منهم، بحسب ما قالته الدرويش.

الدوافع قد تتعارض بشكل مباشر مع الواقع الاقتصادي الصعب في سوريا، وفق ما تعتقده درويش، موضحة أنه "على الرغم من رغبة اللاجئين في العودة إلى وطنهم، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لا تلبّي تطلعاتهم، فالأزمة الاقتصادية في سوريا لا تزال خانقة، ولا توجد فرص كافية للعمل والاستقرار المعيشي، مما يجعل فكرة العودة غير ممكنة في نظر الكثيرين".

وترى أن الوضع المالي السيئ وانعدام البنية التحتية في معظم المناطق، بالإضافة إلى غياب الأمن الغذائي والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، تجعل من العودة خيارًا محفوفًا بالمخاطر، ومن هنا، نجد أن الدافع الاجتماعي يظل رهينًا للظروف الاقتصادية التي تحول دون تحقيقه عند السوريين المتخوفين من العودة.

العودة للاجئين السوريين تمثل أملًا مشروعًا بالنسبة لكثيرين، ولكن هناك معوقات عديدة تحول دون تحقيق هذا الأمل، والدوافع الاجتماعية والإنسانية لا تكفي بمفردها لتشجيع العودة، ما لم تُحل المشكلات الاقتصادية والخدمية والأمنية في سوريا.

هبة الدرويش

باحثة اجتماعية

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، قال، في 25 من حزيران الماضي، إن عودة جميع اللاجئين السوريين دفعة واحدة ليست ممكنة، ولا تعد بالأمر الجيد بالنسبة لسوريا في وضعها الراهن، مشيرًا إلى أن الحل الأمثل هو العودة تدريجيًا.

ونقلت "سانا" عن غراندي حينها، تأكيده ضرورة ضمان العودة الطوعية والتدريجية والمدروسة للاجئين إلى سوريا، ودعم المجتمع الدولي لجهود تعزيز الاستقرار فيها لتحقيق ذلك، مشددًا على دعم المفوضية لجهود الحكومة السورية في هذا الإطار.

"يجب على اللاجئين الذين عادوا، والذين ما زالوا خارج البلاد التحلي بالصبر، لأن سوريا ستتمكن تدريجيًا وخطوة تلو الأخرى من العودة إلى طبيعتها كدولة مستقرة من جديد"، قال غراندي.

مشاركة المقال: