الأربعاء, 30 أبريل 2025 02:13 AM

تجميد بورصة دمشق: هل هو ضرورة للإصلاح الاقتصادي أم تجميد للأموال وتقويض للثقة؟

تجميد بورصة دمشق: هل هو ضرورة للإصلاح الاقتصادي أم تجميد للأموال وتقويض للثقة؟

منذ إعلان الحكومة السورية في كانون الأول/ديسمبر 2024 عن تجميد نشاط سوق دمشق للأوراق المالية، انقسمت الآراء بين من رأى في القرار خطوة ضرورية لإعادة ضبط الأوضاع المالية، وبين من اعتبره تعميقًا إضافيًا للأزمة الاقتصادية عبر تجميد أموال المستثمرين وتقليص الثقة بالقطاع المالي.

ضغوط مالية وصعوبات هيكلية

في تحليله لخلفيات القرار، أوضح الدكتور حسن حزوري، الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد بجامعة حلب، في تصريح لـ”سوريا 24″، أن تجميد السوق جاء نتيجة سياسة حكومية تهدف إلى تقييد السيولة وحصر التدفقات المالية. وأشار حزوري إلى أن غياب شركات قوية قادرة على تحريك السوق وتحقيق نسب تداول مؤثرة، يجعل من إعادة تشغيل السوق في المدى القريب مسألة معقدة. وأضاف أن استمرار تجميد مئات المليارات من الليرات السورية دون رؤية اقتصادية واضحة يشكل “خطأ قاتلاً”، خاصة مع استمرار خسائر شركات القطاع العام، وضعف حرية السحب والإيداع لدى المواطنين.

بيئة قانونية بحاجة لإصلاح شامل

من جانبه، رأى الكاتب الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، عدنان عبد الرزاق، في حديث لـ”سوريا 24″، أن قرار تعليق التداول في سوق دمشق بررته الحكومة رسميًا بـ”دراسة الوضع التشغيلي والتمويلي للشركات”، لكن الواقع – كما يقول – يعود إلى الحاجة لتصفية تركة النظام السابق الذي سيطر على السوق عبر مصارف وشركات مرتبطة بعائلة الأسد. وشدّد عبد الرزاق على أهمية استقلالية البورصة لضمان تعافيها، موضحًا أن أسواق المال هي مرآة تعكس الوضع الاقتصادي الحقيقي، ومؤشر لثقة المستثمرين والإنتاج والملاءة المالية. ودعا عبد الرزاق إلى إعادة فتح السوق بالتوازي مع مراجعة القوانين الناظمة، وتأهيل الكوادر، وضمان استقلالية الهيئات الرقابية، خصوصًا مع إعلان الحكومة الجديدة توجهها نحو الاقتصاد الليبرالي الحر. وأشار إلى أن لسوريا تاريخًا عريقًا في تداول الأوراق المالية منذ خمسينيات القرن الماضي، وأن إنشاء سوق دمشق عام 2009 جاء لتلبية الحاجة إلى تنظيم التعاملات المالية بعد السماح بإنشاء مصارف خاصة وشركات تأمين. غير أن السوق بقيت محدودة التأثير، وتهيمن عليها المصارف بنسبة كبيرة، مما جعلها أقرب إلى “دكانة تداول”، هدفها الأساسي كان تسويق صورة زائفة عن استقرار مالي غير موجود فعليًا.

مشاكل بنيوية قديمة تعرقل التعافي

وفي قراءته للمعوقات القانونية، أكد الخبير الاقتصادي عبد المنعم الحلبي لـ”سوريا 24″ أن المشاكل البنيوية والتشريعية المتجذرة جعلت السوق عاجزة عن أداء دورها الحقيقي منذ إنشائها. وأوضح الحلبي أن البيئة التشريعية كانت تفتقر لمعايير الشفافية والحوكمة الرشيدة، معتبراً أن استمرار التداول في تلك الظروف لم يكن أكثر من مظهر شكلي يخفي أزمات هيكلية عميقة، تحتاج إلى إصلاح جذري لا مجرد إجراءات تجميلية.

سوق هشّة واستثمارات شبه غائبة

بدوره، أشار الدكتور معروف الخلف، رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في جامعة دمشق، إلى أن استمرار تراجع قيمة الليرة، وضعف الاستثمارات، وغياب الشركات الإنتاجية الكبرى، كلها عوامل ساهمت في إضعاف دور السوق كأداة للاستثمار والتنمية. وأضاف الخلف أن هناك فرصة واقعية لإحياء دور السوق مستقبلاً، شريطة وجود خطط استراتيجية جديدة لتحديث البنية التحتية، خاصة في المجالين التكنولوجي والرقابي، بما يتناسب مع معايير أسواق المال الحديثة.

تحركات رسمية لإعادة النشاط

ضمن الجهود الرسمية الرامية إلى إعادة تفعيل السوق، عقد وزير المالية اجتماعًا مع هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية لبحث آليات إعادة التداول، وذلك بعد اجتماع مماثل بين الهيئة وشركات الخدمات والوساطة المالية. تركزت المناقشات على استكمال الإفصاحات الدورية، تقييم أوضاع الشركات المدرجة، وتحديث أنظمة العمل لتواكب المعايير الدولية، تمهيدًا لفتح السوق في بيئة أكثر شفافية وأمانًا.

تقاليد سورية راسخة في الأسواق المالية

تاريخيًا، تمتلك سوريا تقاليد متجذرة في مجال الأسواق المالية. ففي خمسينيات القرن العشرين، كانت أسهم شركات كبرى مثل “الشركة الخماسية للنسيج” تُتداول بشكل غير رسمي في المقاهي والمكاتب والأسواق، مما عكس حيوية اقتصادية ناشئة رغم غياب إطار قانوني رسمي. وقد تأسست الشركة الخماسية عام 1946 بمبادرة من خمسة رجال أعمال كبار، وأصبحت لاحقًا رمزًا من رموز الصناعة الوطنية، قبل أن تؤدي سياسات التأميم خلال فترة الوحدة مع مصر (1958–1961) إلى تقويض هذه المبادرات الاقتصادية الحرة وتحجيم دور السوق لسنوات طويلة.

مشاركة المقال: