الأحد, 16 نوفمبر 2025 11:09 PM

تحليل شامل لأسعار الذهب: العوامل المؤثرة والسيناريوهات المستقبلية

تحليل شامل لأسعار الذهب: العوامل المؤثرة والسيناريوهات المستقبلية

شهدت أسعار الذهب انخفاضًا بأكثر من 3%، نتيجة لعمليات بيع مكثفة في السوق، مدفوعة بتصريحات متشددة من مسؤولي الفيدرالي الأمريكي، مما قلل من التوقعات بخفض أسعار الفائدة في ديسمبر. انخفض سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 1.82% ليصل إلى 4,095.16 دولارًا للأونصة، بعد أن سجل 4,211.06 دولارًا في وقت سابق. ومع ذلك، ارتفع سعر الذهب بنسبة 3.7% خلال الأسبوع الحالي. كما انخفضت عقود الذهب الأمريكية الآجلة تسليم ديسمبر بنسبة 2.24% إلى 4100.40 دولار للأونصة.

الدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، أوضح في حديث لـ"الوطن" أن أسعار الذهب شهدت ارتفاعًا تاريخيًا غير مسبوق، حيث اقترب سعر الأونصة من مستوى يتجاوز 4,300 دولار خلال خريف 2025. وأشار إلى أن الذهب تجاوز مستوى 4,300 دولار للأونصة في أكتوبر، وفقًا لتقرير البنك الدولي.

ويرى أستاذ الاقتصاد أن هذا التحول يعكس تأثر الأسواق العالمية بعوامل اقتصادية وسياسية دفعت المستثمرين إلى تفضيل الذهب كملاذ آمن في ظل حالة عدم اليقين. واستعرض الدكتور محمد أهم العوامل التي أدت إلى هذا الصعود القياسي في أسعار الذهب، ومنها التوترات الجيوسياسية التي تكثفت في مناطق مختلفة من العالم، مما دفع المستثمرين للبحث عن أصول آمنة. وأشار إلى أن تقرير البنك الدولي يوضح أن الطلب على الذهب ارتفع وسط حالة "ارتفاع الطلب على الملاذات الآمنة" بسبب التوترات الجيوسياسية. هذه الأزمات تزيد من مخاطر الأصول الأخرى، فيفضل الأصل الثابت كالذهب.

كما أشار إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي، موضحًا وجود علاقة عكسية واضحة بين الذهب والدولار: فعندما يضعف الدولار، يصبح الذهب أرخص لحائزي العملات الأخرى، مما يزيد الطلب عليه. ضعف الدولار يقلل من تكلفة امتلاك الذهب بالنسبة للمستثمرين العالميين، مما يسهم في ارتفاع سعره، إضافة إلى التضخم العالمي، حيث أدى ارتفاع معدلات التضخم في كثير من الاقتصادات الكبرى إلى تحوط المستثمرين عبر الذهب، باعتباره وسيلة لحماية القوة الشرائية. وعندما تتآكل قيمة النقد، يبحث البعض عن المعدن الأصفر كـ "تأمين" ضد هذه الخسارة، إلى جانب سياسات البنوك المركزية، حيث جعل خفض أسعار الفائدة أو إبقاؤها عند مستوى منخفض الذهب خيارًا جذابًا بالمقارنة مع الودائع المصرفية التي لا تدر عائداً كبيراً.

وزيادة الطلب العالمي وخاصة في الأسواق الناشئة، فالطلب على الذهب من أسر الهند والصين للاستخدامات الصناعية والمجوهرات، فضلاً عن الطلب الاستثماري، أسهم في رفع الأسعار. وأضاف: باختصار، تداخلت هذه العوامل – جيوسياسية، نقدية، تضخمية، وهيكلية – لدفع الذهب إلى مستويات قياسية في وقت قصير.

السيناريوهات المستقبلية لأسعار الذهب

بالاعتماد على رؤية أكاديمية للمحركات السوقية، يمكن تفصيل ثلاثة سيناريوهات محتملة لأسعار الذهب مستقبلاً:

  1. السيناريو الصعودي: إذا استمرت التوترات الجيوسياسية، وارتفع التضخم العالمي، وضعف الدولار بشكل مستمر، مع استمرار سياسات التخفيف النقدي أو الفائدة المنخفضة، فمن المتوقع أن يواصل الذهب صعوده ويصل إلى مستويات قياسية جديدة، قد تتجاوز 4,500 دولار للأونصة وربما تصل إلى حدود 5,000 دولار في حال "الصدمة" الكبيرة. (بعض التوقعات تشير إلى احتمال وصول 5,000 دولار بحلول 2026).
  2. السيناريو المستقر: في حال بدأ الاقتصاد العالمي يستقر، وانخفضت التوترات السياسية، مع بقاء أسعار الفائدة منخفضة نسبياً، فقد تستقر أسعار الذهب عند المستويات الحالية تقريباً، بين نحو 4,200 إلى 4,300 دولار للأونصة، مع تقلبات محدودة. هذا السيناريو يرتكز على أن الذهب يبقى خياراً آمناً لكن من دون دفعة قوية جديدة.
  3. السيناريو التراجعي: إذا بدأت البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة بشكل حاد، أو أن الأوضاع الاقتصادية العالمية انتعشت بشكل ملحوظ، ما يقلل من الطلب على الملاذات الآمنة ويقوّي الدولار، فقد يشهد الذهب تصحيحاً هبوطيًّا، ليعود إلى مستويات أقل، ربما أقل من 4,000 دولار للأونصة. هذا السيناريو مرجّح في حالة "الانتكاسة" في عامل عدم اليقين.

نصائح للمستثمرين

قدم محمد النصح إلى المستثمرين من منطلق أكاديمي، قائلاً: أنصح المستثمرين بالمراقبة المستمرة للسوق، فمتابعة الأخبار الاقتصادية والسياسية العالمية أولاً بأول، لأن تحوّلات كبيرة في هذه المحاور تؤثر مباشرةً على اتجاه الذهب، مع ضرورة تنويع المحفظة الاستثمارية: لا تعتمد فقط على الذهب، بل اجعل استثماراتك متنوعة (أسهم، سندات، عقارات، سلع أخرى) لتقليل المخاطر المرتبطة بوضع واحد، إلى جانب الشراء أثناء التراجع: استغل فترات التصحيح السعري للذهب كفرصة للدخول بسعر أقل، إن كنت تؤمن بالاتجاه الصعودي المتوسط أو الطويل الأجل.

وختم بالقول: كرأي أكاديمي اقتصادي يُثبت الذهب مرة أخرى، في هذا المسار الصاعد، أنه الملاذ الآمن الأول في أوقات الأزمات وعدم اليقين. ومع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي، يبقى الذهب خياراً استثمارياً جذاباً. لكن من الضروري أن يكون المستثمر حذراً، وأن يراقب تطورات السوق، وأن يتعامل مع الذهب كجزء من استراتيجية أوسع لا كسب الهدف بحد ذاته.

مشاركة المقال: