الأربعاء, 3 ديسمبر 2025 09:01 PM

تحليل لتغريدة ترامب حول سوريا: هل تفتح دمشق صفحة جديدة في علاقات تل أبيب وواشنطن؟

تحليل لتغريدة ترامب حول سوريا: هل تفتح دمشق صفحة جديدة في علاقات تل أبيب وواشنطن؟

عزة شتيوي: هل يدرك نتنياهو بعمق دلالات تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئة على منصة “تروث سوشال” بشأن ضرورة التوصل إلى تهدئة مع سوريا؟ أم أن تل أبيب ستستمر في تأجيج الصراعات في سوريا والمنطقة؟ تصريحات ترامب حول سوريا جاءت في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على بيت جن، وأثارت تحليلات متضاربة وجدلاً واسعاً، خاصةً وأن ترامب دعا دمشق إلى ضبط النفس وعدم الرد على تل أبيب رغم استفزازاتها، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام الأميركية محاولة لمنع التصعيد العسكري ورغبة في فتح مسارات للتهدئة في الشرق الأوسط.

الحسابات السورية

لا تبدو تصريحات الرئيس الأميركي التحذيرية لإسرائيل تجاه سوريا كافية، خاصةً وأن تل أبيب غالباً ما تتجاوز الحدود السياسية لأميركا لتفرض واقعاً عسكرياً جديداً تضطر أميركا لرعايته في النهاية، نظراً لعلاقاتها الوثيقة بإسرائيل. ومع ذلك، تحاول سوريا حتى الآن مراعاة الوساطة الأميركية والاستفادة من الفرصة التاريخية التي أتاحها إسقاط نظام الأسد لبناء علاقات وثيقة مع الغرب قد تساهم في حل الملفات العالقة؛ فكما رفعت العقوبات عن سوريا، كذلك يستجيب ترامب للحالة في الجنوب السوري. وقد يتوافق هذا مع حسابات دمشق التي تبدأ من الأولويات الداخلية وتتوسع باتجاه التوازن الإقليمي مع الحفاظ على السيادة؛ إذ ترفض دمشق اليوم أي شكل من أشكال التطبيع المجاني أو التنازل عن مرتفعات الجولان المحتلة، وهذا موقف مبدئي غير قابل للمساومة، ويعد موقفا سياديا أساسيا لأي تسوية شاملة. كما ترى دمشق أن إسرائيل تريد خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وهذا ما يدفعها إلى ضبط النفس بشأن اعتداءات إسرائيل المتكررة؛ فالهدف السوري اليوم تحقيق التنمية وعدم الانجرار إلى الرد على الخروقات الإسرائيلية، خاصة أن السوريين اختبروا النية الاحتلالية لتل أبيب في جبل الشيخ وفي الجنوب السوري كله، حيث تحاول عرقلة قيام دولة سوريا الجديدة، بل تسعى إلى أن تكون دولة فاشلة، وتحاول الاعتداء عليها ودعم الجماعات الانفصالية فيها وتقويض الاستقرار.

إلا أن تغريدة ترامب الأخيرة تعد بمثابة ورقة سورية تقلب الموازين وتمنح دمشق دفعة دبلوماسية هائلة، خاصة أن التغريدة تؤكد أن الضغط الأميركي على إسرائيل أمر ممكن، ويعطي هامش مناورة أكبر لدمشق بعدم تقديم تنازلات أمنية أحادية الجانب، بحيث تكون أي تهدئة متبادلة وتخدم مصالح أمن سوريا الجديدة.

أميركا على الخط الساخن

من الواضح أن إدارة الرئيس ترامب تسعى إلى هندسة توازنات جديدة في الشرق الأوسط عبر ربط ملفات مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار والتطبيع الأمني بين دول المنطقة، بما فيها سوريا وإسرائيل. وفي ظل حديثها عن “اتفاق أمني” بين دمشق وتل أبيب، نجد اعتداءات إسرائيلية على الجنوب السوري وتوغلات حملت في الأيام الماضية شكل عدوان شرس على منطقة بيت جن في ريف دمشق؛ لذلك أطلق ترامب صافرة تحذيرية لإسرائيل، عله ينقذ ما تبقى من طموحاته في هذا الملف بحديثه عن اتفاقية فك الاشتباك. بالمقابل، وفي علاقتها مع واشنطن، تتخذ دمشق خطوات نحو الانفتاح والارتقاء إلى درجة الشراكة، وهو ما تم فعلا من خلال انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد “داعش” من البوابة الأميركية. إلا أن سوريا الجديدة تتعامل، فيما يخص التفاوض مع إسرائيل برعاية أميركية، بحذر وضمن إطار وقف العدوان على العمق السوري بشكل كامل والعودة إلى خطوط 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024. كما تطالب دمشق بضمانات أميركية أو دولية قوية لضمان التزام إسرائيل بالاتفاق، ولا تثق بالوعود الإسرائيلية وحدها.

ورغم شرعية خطاب دمشق، إلا أن كل الترتيبات الأميركية تجاه الملف السوري مع إسرائيل تتعثر بسبب سلوك تل أبيب العدواني تجاه سوريا، والواضح أنها، أي إسرائيل، لا تملك استراتيجية للتهدئة حتى الآن في سوريا والمنطقة. وهذه المعضلة ما زالت محكومة، حتى الآن، بلقاء نتنياهو مع ترامب خلال الفترة المقبلة.

المزاج الدولي تجاه إسرائيل وسوريا

كثرت التصريحات التي تدين الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، ودخلت تصريحات فرنسية على خط التصعيد، حيث جددت فرنسا تأكيدها أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقرارها، انسجاما مع القانون الدولي واتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974. وقال القائم بالأعمال الفرنسي في سوريا جان باتيست فافر، في منشور على منصة “إكس”، إن بلاده تطالب إسرائيل باحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، معربا عن قلقه إزاء المعلومات الواردة حول سقوط ضحايا مدنيين جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت بلدة بيت جن بريف دمشق. ودعا فافر جميع دول المنطقة إلى الانخراط في الجهود الرامية إلى تمكين سوريا من أن تكون مركزا للسلام والأمن والاستقرار، لما فيه مصلحة الشعب السوري والمنطقة بأكملها. وبعد التصريحات الفرنسية، وجه ترامب بتصريحات له رسالة دعم صريحة للحكومة السورية الجديدة برئاسة الرئيس أحمد الشرع، وحذر إسرائيل علنا من التدخل في شؤون سوريا أو زعزعة استقرارها، ما شكل سابقة لافتة في تاريخ العلاقة المتوترة بين سوريا وإسرائيل.

يقول الخبير العسكري العقيد عماد شحود، إن ما تفعله إسرائيل في الجنوب السوري يعني إغلاق باب التفاوض والضغط عسكريا حتى توافق دمشق على ما تريد تل أبيب؛ وبالتالي فهو تحديد لقدرتها على المناورة داخل الأراضي السورية. وما نراه اليوم من تصريحات، وخاصة الفرنسية منها، هو إعلامي أكثر منه عمليا، لأن العين الفرنسية على لبنان أكثر مما هي على الجنوب السوري. ويؤكد شحود أنه، رغم كل التطورات، يبدو الوضع السوري جيدا، وأن الأهداف الإسرائيلية بفصل الجنوب، وخاصة السويداء، تتراجع؛ فالانفصاليون داخل المدينة بدأوا يصطدمون بواقع شعبي يرفض أجندتهم، وبواقع خدمي ومعيشي سيئ سيجبرهم على التراجع خطوات إلى الخلف، ولا يوجد اتفاق دولي حول فتح معابر وتنفيذ أحلام إسرائيلية في الوقت الراهن.

عدوان على طاولة الاتفاق الأمني

تحاول إسرائيل اليوم التمدد في الجنوب السوري والتوغل وفرض واقع أمني دون توقيع اتفاق رسمي، وتحاول دمشق خرق الخطة الإسرائيلية بالحفاظ على الهدوء والتمسك بقرار السيادة على أي طاولة تفاوض. ويدعمها اليوم موقف أميركي لافت يسعى إلى التهدئة، إلا أن ذلك مرهون، حتى اللحظة، بترجمة فعلية لتصريحات ترامب وما لها من تأثير حقيقي وملزم لإسرائيل لوقف عدوانها واحترام السيادة السورية؛ فأي تنازل عن حقوق سوريا في الجنوب أو حتى في الجولان المحتل سيكون مكلفا جدا سياسيا. وتبقى آفاق التوصل إلى تفاهم مرحلي بين سوريا وإسرائيل مفتوحة على احتمالات كثيرة، أكثرها تفاؤلا أن تمارس واشنطن ضغطا على تل أبيب، وهذا مرتبط بمشروع التوازن الإقليمي الذي يطرحه ترامب واتفاقات السلام التي لم تكتمل يوما.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة

مشاركة المقال: