السبت, 27 سبتمبر 2025 07:18 PM

تركيا في مرمى ترامب: هل تدفع أنقرة ثمن سياسة التوازن بين الشرق والغرب؟

تركيا في مرمى ترامب: هل تدفع أنقرة ثمن سياسة التوازن بين الشرق والغرب؟

دمشق – م. ميشال كلاغاصي

لطالما لعبت تركيا أدوارًا متعددة على مر العقود، متأرجحةً في سياساتها ومواقفها بين موسكو وواشنطن، ومحققةً مكاسب جمة. حتى ظنّ الرئيس إردوغان أن هذه السياسة رابحة دائمًا، فتقاسم مع القوتين الدوليتين الحرب والسلام، المهادنة والمفاوضات والوساطة، وحصد نجاحات عدة. لكن غاب عن ذهنه أن تركيا نفسها تقع وسط حقل ألغام من المصالح والحب والانتقام من كلا الطرفين، في وقت لم يعد بالإمكان استبعادها من خرائط الصراعات الجيوسياسية في المنطقة والعالم.

يبدو أن تركيا قد وصلت إلى مرحلة حرجة، خصوصًا مع تشعب مواقفها وتدخلها في ملفات الجوار القريب والبعيد، ما أدى إلى تعقيد الحلول. وباتت تطالب بجائزتها دون أن تدفع حصتها من التكاليف، خصوصًا في الملف السوري المعقد. بالأمس، حاول الرئيس ترامب في الأمم المتحدة توجيه سهام الاعتراف المباشر بما اقترفه إردوغان، وتحميله مسؤولية إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، رغم فشل محاولات أسلافه العثمانيين منذ 2000 عام.

وعلى ما يبدو، قرر ترامب إعادة صياغة استراتيجيته الجديدة في سوريا والعراق وأوكرانيا وأوروبا وروسيا والصين، بشكل براغماتي مبني على النجاحات والإخفاقات. وبات عليه المضي قدمًا في الجزء الصعب، وعلى حساب كل من سبق وأطلق عليهم "حلفاء، شركاء، أصدقاء". وأطلق استراتيجيته الجديدة بدءًا من تخليه عن الأوروبيين في مواجهة روسيا، وتطويق العرب بحبال الناتو العربي في غزة، ومضاعفة تنازلاتهم، وكذلك عبر البدء بمحاصرة تركيا والرئيس إردوغان، ومطالبته بالتوقف عن شراء الغاز والنفط الروسيين.

لا يمكن لتركيا، وليس من مصلحتها، أن تفعل ذلك، إذ لم يراع ترامب البدائل التركية، ولم يأبه بالأضرار الاقتصادية التي ستنال من اقتصادها وتأثير انهياره على الشارع التركي المحتقن أصلاً بعشرات الملفات الداخلية. على الرغم من تقديم ترامب الولايات المتحدة كمصدر بديل على غرار ما فعله مع الأوروبيين.

من الواضح أن ترامب يبحث عن رضوخ تركيا لمطلبه، الذي سينعكس بالنتيجة على ارتفاع أسعار الطاقة واستفادة الموردين الأمريكيين عوضًا عن تركيا التي تستفيد منه حاليًا في الداخل ومن خلال بيع منتجات مصافيها من الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي.. ناهيك عن عدوانية هذا المطلب تجاه روسيا، واستغلال السلوك التركي الجديد المتوقع في أوكرانيا.

يدرك ترامب استحالة موافقة تركيا، ومطلبه هذا لا يعدو سوى خديعة، تدفع تركيا نحو مساومة واشنطن وتقديم التنازلات من مخزون علاقاتها وأرجحتها للحفاظ على اقتصادها. كما يُعتبر مقدمة للسياسات الأمريكية الجديدة تجاه تركيا، والتي تستدعي نسف التعويل والاعتداد التركي على العلاقات والشراكة مع الولايات المتحدة. ويبقى توقيت مطلب ترامب لافتًا في ظل وقوف أنقرة أمام مفترق طرق في خضم صراعاتها الداخلية المعقدة، ووسط توريداتها من الغاز والنفط الروسيين إلى عدة دول أوروبية تقدم لترامب الطاعة الكاملة.

يبدو أن ترامب يربط موافقة تركيا، بموافقته على بيعها طائرات إف-35 من خلال تصريحه: ” نستطيع إبرام صفقة طائرات إف-35 مع تركيا، لكن على أردوغان أن يفعل شيئاً لأجلنا أولاً “، في وقتٍ لا يمكن لواشنطن تسليمها هكذا طائرات إلاّ في إطار الناتو وحدود إلتزامها بشروطه، وبشروط إضافية قاسية لمنعها من استخدامها خارجه، خصوصاً وأنها تعاند الرغبة والقوة الإسرائيلية الساعية لإخراجها عسكرياً من الأراضي السورية والعراقية، وأقله منعها من إقامة قواعد عسكرية، وتحجيم نفوذها العسكري على الأراضي السورية، والتي ترى فيها سلطات الكيان الإسرائيلي تهديداً لأمنها ووجودها.

تدرك تركيا مخاطر مطالب ترامب، وبأنها وقعت في أفخاخه وباتت في ورطة كبيرة، نتيجة محاصرة الرئيس إردوغان ووضعه في موقف لا يحسد عليه، ومطالبته بالتوقف عن شراء الغاز والنفط الروسيين.

إن تغيير ترامب استراتيجيته أثناء وجوده في الأمم المتحدة، لم يكن مرتجلاً، وكان مدروساً ومسبق التحضير، وليس نتيجة حواراته ولقاءاته بـ إردوغان وزيلينسكي وقادة اّخرون على هامش المؤتمر الأممي.

ويمكن ملاحظة نوعية خطاباته وتصريحاته في الفترة التي سبقت المؤتمر الأممي، حيث كان يدعو إلى الحل والسلام في أوكرانيا، لكنه تحول فجأة نحو دعوة زيلينسكي لإستعادة أراضي أوكرانيا بمساعدة أوروبا.

من الواضح أن تغيير موقفه المفاجئ تجاه أوكرانيا وسلوكيات الرئيس زيلينسكي، يعكس فشله في تحقيق أيّ انجاز أو إنتصار عبر المفاوضات، لذلك عاد إلى نغمة الضغوطات على روسيا وللحديث عن عدم امتنانه و”خيبة أمله في مواقف الرئيس بوتين”، وهذا بدوره يمنح الأوروبيين وكييف الضوء الأخضر للتصعيد وعرقلة الحل، ويفسر مضمون كلامه في الأمم المتحدة:” إذا تعذّر الاتفاق على وقف إطلاق النار والضمانات الغربية ونشر قواتٍ أوروبية، إذن لندع أوروبا تقاتل روسيا وتواصل دعمها لأوكرانيا، لكننا لا ننوي التدخل في ذلك”.

هل تفكر تركيا برفض مطلب ترامب، ولذلك سارعت للحصول على توريداتٍ نفطية من كردستان العراق؟، وستحمل الأيام القادمة الخبر اليقين، لننتظر ونراقب.

مشاركة المقال: