أحمد العبد - ليست العملية العدوانية التي بدأها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر أمس، في محافظة طوباس شمالي الضفة الغربية، هي الأولى من نوعها، لكنها قد تكون الأوسع والأقسى، وفق ما يُظهره الاستنفار العسكري الضخم في المدينة والبلدات المجاورة.
أفاد محافظ طوباس، أحمد أسعد، في بيان مقتضب عقب الإعلان عن العملية، أن الأخيرة «تهدف إلى فرض وقائع جديدة والسيطرة على أراضٍ فلسطينية، وتقطيع أوصال المحافظة وتدمير بنيتها التحتية».
يذكر أن قوات الاحتلال كانت قد بدأت، قبل أكثر من 10 أشهر، عملية عسكرية مستمرة في مدينتي طولكرم وجنين، أسفرت عن تدمير مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وطرد أكثر من 40 ألف لاجئ منها، ونسف مئات المنازل فيها، وتجريف بنيتها التحتية. ومنذ ذلك الحين، تخضع المخيمات لحصار مشدد، يمنع جيش العدو بموجبه السكان من العودة إليها. وأعرب أسعد عن خشيته من نية الاحتلال تكرار السيناريو نفسه في طوباس، وتحديداً تهجير سكان مخيم الفارعة، تنفيذاً للخطة الإسرائيلية الرامية إلى طمس قضيتي العودة واللاجئين.
ما يجري في مدينة طوباس، ينطبق على بلداتها أيضاً، من مثل عقابا وطمون وتياسير وغيرها، حيث فرضت قوات الاحتلال حظراً للتجوال في طمون وقطعت عنها الكهرباء، فيما اقتحمت أحياءها بعشرات المدرعات والآليات تحت غطاء من المسيّرات، فضلاً عن تشريد عدة عائلات لتحويل منازلها إلى ثكنات عسكرية.
في الساعات الأولى من بدء العملية العسكرية، احتجز جنود العدو عدداً من الفلسطينيين، بينما سُجلت إصابات في صفوف الأخيرين جراء الضرب المبرح على أيدي الجنود. ووفقاً للهلال الأحمر، تعاملت طواقمه، حتى ظهر أمس، مع 10 إصابات بفعل تلك الاعتداءات، وتم نقل 4 منها إلى المستشفى. وأشار الهلال إلى أنه جرى كذلك نقل 30 مريضاً، من بينهم 20 حالة غسيل كلى، ومريض متوفّى داخل منزل، إلى المستشفى، مضيفاً أن طواقمه تواجه عرقلة في نقل المرضى. ومع ساعات المساء، أفاد الهلال بإصابة مسنّ فلسطيني نتيجة الاعتداء عليه بالضرب في طوباس، مضيفاً أن جنود العدو يمنعون طواقمه من الوصول إلى طفل مصاب بحروق في بلدة تياسير، وأنهم اعتقلوا مصاباً من داخل سيارة إسعاف في بلدة طمون.
سبقت ذلك مداهمة قوات الاحتلال منازل المواطنين والعبث بمحتوياتها وتدميرها إياها، في وقت عملت فيه الجرافات على إغلاق عدد من الطرق الرئيسة والفرعية في طوباس وعقابا وطمون، بالسواتر الترابية، مشددة من إجراءاتها العسكرية على حاجزي تياسير والحمرا العسكريين المحيطين بالمحافظة، توازياً مع تحليق مكثف للطائرات المروحية.
زعم جيش العدو، في بيان، أن العملية العسكرية في شمال الضفة جاءت بعدما رُصد في أثناء الأسابيع الماضية، ارتفاع في محاولات تنفيذ عمليات، ومحاولات إعادة تشكيل كتائب مسلحة. وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية بأن ثلاثة ألوية من الجيش، هي: «منشة» و«الشومرون» و«الكوماندوز»، تشارك في عملية طوباس، التي تستهدف «تعزيز السيطرة على المنطقة». ووفقاً لمحافظ طوباس، فإن الجهات الإسرائيلية أبلغت الجهات الفلسطينية بأن العملية العسكرية في المحافظة ستستمر لأيام عدة، وبأن هدفها المعلن هو ملاحقة مواطنين فلسطينيين. لكن أسعد أكد أن «طوباس خالية من أي مطلوبين»، معتبراً أن استهدافها هو بسبب موقعها الجغرافي وقربها من الأغوار الشمالية، لافتاً إلى أن التعزيزات العسكرية الإسرائيلية أدت إلى شل حركة السكان في المحافظة.
يذكر أن عدوان «الأسوار الحديدية» انطلق في نهاية عام 2024 في جنين، وامتد لاحقاً إلى مخيمات الفارعة وطولكرم ونور شمس، وتبعته سلسلة عمليات متقطعة في شمال الضفة، هدفت إلى ترسيخ مشروع الاحتلال الأمني، والمتمثل في وجوده الدائم في المنطقة. ومن هنا، فإن العملية الجارية في طوباس لن تكون الأخيرة، إذ يتوقع أن تصعد إسرائيل من مثل هذه العمليات في أثناء المدة المقبلة، وذلك في إطار استراتيجية متكاملة تشمل توسيع الاستيطان، ومضاعفة مصادرة الأراضي، وتكريس إسرائيل كحاكم مباشر على الأرض، بما يحقق الضم الفعلي من دون الحاجة إلى إعلانه.
بات واضحاً أن إسرائيل تتعلل بالذرائع الأمنية لتمرير عدوانها على مدن الضفة ومخيماتها، والذي يستهدف تعميق معاناة الفلسطينيين، وجعل حياتهم شبه مستحيلة، واستنزاف بنيتهم المجتمعية بما يضعف قدرتهم على الصمود والمقاومة. وتطاول العملية العسكرية الأحدث خمس مناطق رئيسة، هي: طوباس، طمون، وتياسير، وعقابا، ومخيم الفارعة، والتي تسميها إسرائيل «مخمس القرى» وتتعامل معها كمنطقة عسكرية واحدة.
إبان الانتفاضة الثانية، برزت طوباس باعتبارها ساحة المقاومة الرئيسة في الضفة، وقد استعادت هذا الزخم منذ عام 2023، مع ظهور مجموعات مقاومة فيها، من مثل كتيبتي «طوباس» و«طمون»، على غرار كتيبتي «جنين» و«طولكرم»، في حين شهدت المنطقة عمليات فدائية بارزة، رغم الانتشار الأمني الإسرائيلي الواسع فيها، الذي يراعي دائماً موقعها الجغرافي المحاذي للحدود الشرقية لفلسطين. كما شهدت محافظة طوباس، في أثناء العامين الماضيين، عدة هجمات عسكرية، كان أبرزها «الجدار الحديدي» في كانون الثاني الماضي، وتعرضت لعمليات قصف واغتيال أيضاً، أبرزها مع بدء هذا العام في بلدة طمون، والتي استشهد فيها 10 مقاومين، من بينهم قائد كتيبة «طمون».
دانت حركة «حماس» العملية العسكرية الإسرائيلية الأحدث في طوباس، والتي «تكشف عن حجم الإجرام المنهجي الذي تمارسه حكومة الاحتلال المتطرفة، ضمن سياسة معلنة هدفها سحق أي وجود فلسطيني، وصولاً إلى السيطرة الكاملة على الضفة». وأضافت أن تلك الإجراءات، بما في ذلك حظر التجوال وإغلاق المدن والبلدات، ما هي إلا امتداد «لمخططات الضم والتهجير» التي يسعى الاحتلال إلى تنفيذها عبر تحويل مدن الضفة إلى «مناطق محاصرة ومقطعة الأوصال»، وعرقلة أي مظاهر للحياة الطبيعية. وتابعت الحركة أن «العدوان المتواصل لن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني ولا عزيمة المقاومين»، مؤكدة أن الفلسطينيين سيواصلون صمودهم ورفضهم «لمشروع السيطرة الاستعمارية».
من جانبها، قالت حركة «الجهاد الإسلامي» إن عملية الاحتلال الإسرائيلي في الضفة هي «عدوان ممنهج جديد على أبناء شعبنا، في إطار مخطط الكيان الذي يهدف إلى إفراغ الضفة من أهلها وتهجيرهم والسيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم». وأضافت أن «عدوان الاحتلال يتزامن مع مساعي إقرار قوانين الضم بما يتيح للمستوطنين استملاك أراض في الضفة».