أثارت مقاطع فيديو انتشرت مؤخرًا، تُظهر مديرة مدرسة حكومية في ريف دمشق وهي تضرب طالبات بالعصا، غضبًا واسعًا بين الأهالي والطلاب والمعلمين، لما انطوت عليه من عنف يتعارض مع العملية التربوية. تحوّلت القضية إلى نقاش عام، بين من استنكروا العنف الجسدي، ومن رأوا فيه وسيلة "لضبط السلوك" في ظل تراجع القيم.
أصوات من الميدان التربوي
المعلمة نوار محمد من ريف دمشق، رفضت الضرب، لكنها لم تؤيد فصل المديرة، قائلة: "أنا ضد الضرب، لكن فصل المديرة ليس حلاً عادلاً، كان يمكن الاكتفاء بإنذارها. الضغط وسلوكيات الطلاب قد تدفع المعلمين إلى ردود فعل خاطئة".
أحمد خطاب، والد لثلاثة طلاب من محافظة حماة، يرى أن الضرب ضرورة تربوية أحيانًا: "جيلنا تربّى على الشدة، ولم نتضرر. الضرب المعتدل قد يكون فعالاً لتربية بعض الطلاب".
لكن خالد الإدلبي، من دمشق، يرفض أي عنف في المدارس، مؤكدًا أن "الضرب يخلق شعوراً بالذلّ، وقد يتحول إلى شخصية منطوية أو عدوانية. هذه الممارسات لا تُنشئ جيلاً منضبطاً بل جيلاً خائفاً".
المعلم محمد حميدي من ريف حلب الغربي، قال إن القضية أظهرت صورة سلبية عن المعلمين، موضحًا: "القضية أُخذت من زاوية واحدة، فظهرت المعلمة وكأنها المعتدية فقط، بينما لم يُذكر أن المعلم اليوم فقد هيبته داخل الصف، ولم يعد يحظى بالاحترام الذي يستحقه. أصبح المعلم الحلقة الأضعف في المدرسة، والطلاب باتوا يتعاملون معه بجرأة زائدة، والأهالي بدورهم أساؤوا فهم مفهوم الضرب فصاروا يربطونه بكل تصرف أو توجيه حازم من المعلم". وأضاف حميدي: “نحن جميعاً متفقون أن الضرب خطأ ولا يمكن تبريره، لكن في المقابل يجب ألا يُجرّد المعلم من مكانته. الحل ليس في إضعاف دوره، بل في إيجاد بدائل تربوية مثل الاستعانة بالمرشدين النفسيين، وتنظيم حملات توعية وملصقات وبروشورات تعزز ثقافة الاحترام المتبادل داخل المدرسة، فحماية الطفل يجب أن ترافقها أيضاً حماية لهيبة المعلّم”.
تحذيرات نفسية من تداعيات الضرب
المرشد النفسي فراس محمد، حذّر من مخاطر الضرب على المدى البعيد، مشيرًا إلى أن الطفل الذي يتعرّض للعنف يتعلم بدوره ممارسة العنف على غيره: "الضرب لا يُهذّب السلوك، بل يزرع الخوف والعدوانية. الطفل الذي يُضرب في المدرسة سيتعامل مع زملائه بالطريقة نفسها، وقد يتحول إلى شخص عدواني في المستقبل". وأضاف أن الحل يكمن في "اعتماد أساليب تربوية إيجابية، قائمة على الحوار والتوجيه وتعزيز السلوك الجيد بدلاً من العقاب البدني".
موقف رسمي وإجراءات قانونية
مدير تربية ريف دمشق، فادي نزهت، أوضح أن المديرية تابعت الحادثة فور انتشارها، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المديرة، مؤكدًا أن "القانون يمنع أي عنف جسدي أو لفظي ضد الطلاب، وهناك أساليب تربوية يمكن للمعلم استخدامها لمعالجة السلوكيات غير المنضبطة دون اللجوء إلى الضرب". وشدّد نزهت على أن وزارة التربية تتابع هذه الحالات لمنع تكرارها، مع التركيز على "تدريب الكوادر التعليمية على أساليب ضبط الصفوف دون عنف".
بين مؤيدٍ يراها وسيلة "تربية وانضباط"، ومعارضٍ يعتبرها "عنفاً مرفوضاً بكل أشكاله"، تبقى قضية الضرب في المدارس مؤشراً خطيراً على الفجوة بين المفهومين التربوي والاجتماعي للتأديب، وعلى الحاجة الملحّة لإعادة بناء الثقة بين الأسرة والمدرسة، ضمن بيئة تعليمية آمنة تحفظ كرامة الطالب وتؤسس لتربيةٍ قائمة على الوعي لا الخوف.