بعد ثلاثة أيام من عمليات النسف والتدمير الممنهج، أعلن جيش الاحتلال، أمس، عن بدء عملية عسكرية تستهدف أحياء الزيتون والصبرة جنوب مدينة غزة، وفقًا لما ذكره يوسف فارس.
يبدو أن الأسلوب المتبع في هذه الأحياء يماثل تدمير مخيم جباليا والنواحي الشرقية للمدينة، حيث يتم التقدم ببطء مع استخدام مكثف للروبوتات المفخخة، التي تحمل كل منها نحو 4000 كيلوغرام من المتفجرات شديدة التأثير، والتي يؤدي انفجار الواحد منها إلى هدم مربعات سكنية بقطر 100 متر مربع. بالإضافة إلى ذلك، كثفت الطائرات الحربية من عمليات تدمير البنايات السكنية المرتفعة في حي الصبرة، الذي نجا حتى الآن من التدمير الجزئي والكلي، ولم يسبق لجيش العدو أن عمل فيه بريًا.
تشير هذه الخطوات إلى نية جيش الاحتلال تأمين القوات البرية التي يجري حشدها على التخوم الجنوبية الشرقية لمدينة غزة، في إطار الخطة التي تم إقرارها لاجتياح المدينة.
يأتي هذا بعد أن انتهى العدو من تدمير الأحياء الشرقية لغزة، وهي الشجاعية والزيتون والتفاح، على نحو كلي، بالإضافة إلى الأحياء الشمالية، أي جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. تحولت كل تلك المناطق، بعد العمليات السابقة، إلى مساحات مخلاة بشكل كامل، حيث منع جيش الاحتلال عودة الأهالي إليها، وفرض عليها استحكامًا ناريًا خانقًا. وبناءً عليه، يظهر أن عملية "مركبات جدعون" كانت جزءًا من مخطط هدم المدينة، في حين يتخوف الأهالي من أن الخطة المزمع تنفيذها ستترك غزة خرابًا لا يمكن العيش فيه أو العودة إليه مجددًا.
في الشارع الغزي، تؤخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجدّ، وهو ما تجلى جانب منه في تسجيل الأحياء الجنوبية من المدينة، وتحديدًا الزيتون والصبرة، موجة نزوح جماعية إثر عمليات النسف والتدمير المكثفة، وكثافة القصف المدفعي الذي شهدته تلك المناطق.
قدر المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، أن جيش الاحتلال يدمر على نحوٍ يومي 100 منزل في الزيتون. وأشار بصل إلى أن عددًا من المنازل دمرت على رؤوس سكانها، فيما لا يزال عدد من جثامين الشهداء أسفل الركام، مضيفًا أن أكثر من ثلاثمائة منزل دمرت على نحو كلي منذ استئناف العملية البرية في شارع 8 في حي الزيتون وأطراف حي الصبرة.
بالاستناد إلى الإحصائيات الأخيرة، فإن جيش الاحتلال أتمّ منذ بداية الحرب، هدم أكثر من ثلثي الأحياء السكنية في قطاع غزة، إذ دمر 100% من منازل بيت حانون، و90% من منازل بيت لاهيا، و 100% من منازل مخيم جباليا ومدينة جباليا البلد، و70% من حي التفاح شرقي مدينة غزة، و 80% من حيَّي الزيتون والشجاعية، و100% من مدينة رفح، و 70% من خانيونس، في حين يضع مدينة غزة الهدف المقبل لعمليته البرية التي قد تستغرق ما يزيد على عام كامل.
كانت تعرضت المدينة وأحياؤها الشمالية والجنوبية، لتدمير جزئي خلال التوغل الأول في بداية الحرب، حيث دُمر 30% من منازلها بشكل كلي، و60% بصورة جزئية؛ غير أن المواطنين أعادوا استصلاح منازلهم وتأهيل أحيائهم وتمكنوا من مواصلة الحياة هناك.
اليوم، يحمل مشروع تدمير المدينة، هدف محو الكينونة والهوية وطمس الأثر التاريخي والحضاري لغزة، في حين أن المعضلة الإنسانية التي تتجاهلها إسرائيل، هي أزمة التجهير، حيث تكتظ محافظة جنوب القطاع المدمرة بمئات الآلاف من النازحين، خصوصًا بعد تدمير مدينتي خانيونس ورفح بكل كلي، وازدحام نحو 600 ألف نازح في مواصي خانيونس.
كما أن المحافظة الوسطى المتمثلة بمخيم النصيرات ومدينة دير البلح، تكتظ بمئات الآلاف من السكان والنازحين من المخيمات الشرقية، ما يعقّد من مسألة تهجير نحو 800 ألف من سكان مدينة غزة، أي الكتلة السكانية الأكبر في القطاع، إلى مناطق لا تتوفر فيها مساحة لنصب الخيام، ولا بنية تحتية ولا حتى خيام. ويضاعف ذلك من وطأة كابوس النزوح المتجدد على أهالي شمال القطاع، فيما قد يشكل ورقة ضغط من شأنها أن تؤخر تنفيذ العملية المرتقب بدؤها بشكل مكثف مطلع تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار