الجمعة, 7 نوفمبر 2025 08:50 PM

جيل ضائع: كيف حوّلت الحرب السورية طلاب المدارس إلى عاطلين عن العمل؟

جيل ضائع: كيف حوّلت الحرب السورية طلاب المدارس إلى عاطلين عن العمل؟

عمر عبد الرحمن – دير الزور

خلّفت الحرب في سوريا آثارًا مدمرة على قطاع التعليم، حيث تحولت المدارس إلى ساحات قتال ومآوٍ للنازحين، وتشتت شمل الطلاب والمعلمين. سنوات الصراع الطويلة أدت إلى تدهور البنية التحتية التعليمية وحرمان ملايين الطلاب من التعليم، مما أوجد جيلاً يفتقر إلى التعليم ومستقبل واضح. ومع مرور الوقت، ظهرت نتائج هذا الانقطاع في شكل ارتفاع معدلات الأمية والبطالة بين الشباب الذين يواجهون الآن تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة.

صعوبة الاندماج

اليوم، ومع انتهاء العمليات العسكرية بشكل كبير بعد سقوط نظام الأسد، يواجه الشباب الذين نشأوا في ظل الحرب وضعًا معقدًا. العديد منهم يفتقرون إلى الشهادات والمهارات اللازمة لدخول سوق العمل، بينما تفرض المؤسسات الحكومية، وحتى العسكرية، متطلبات تعليمية جديدة تعيق انضمام غير المتعلمين. هذا الواقع يثير أسئلة مهمة حول مستقبل هؤلاء الشباب الذين يعانون من الفقر واليأس. يقول أبو أحمد، وهو أب لثلاثة أطفال من دير الزور، في حديثه لـنورث برس: "لقد عاش أطفالي طفولة مختلفة تمامًا عما كنت أتمناه لهم. أحمد، ابني الأكبر، كان متفوقًا ويحلم بأن يصبح طبيباً، لكن الحرب دمرت مدرسته في عام 2013، وانقطعت دراسته تمامًا. الآن يبلغ من العمر 23 عامًا ولا يستطيع العثور على عمل لأنه لا يملك شهادة، حتى الوظائف البسيطة ترفضه بسبب اشتراطها الحصول على شهادات".

ويضيف الأب بحسرة: "حاول أحمد التطوع في الجيش بعد تحسن الأوضاع، لكنه فشل في اختبار القراءة والكتابة. إنه يشعر بالإحباط ويقول لي دائمًا: يا أبي، أشعر أنني عبء على العائلة. ليس هو فقط، بل أطفالي الآخرون أيضًا لا يعرفون القراءة. حاولت تعليمهم بنفسي، لكنني لم أتعلم من قبل. الحرب سرقت مستقبلهم".

بينما يصف أيهم الصبار، وهو شاب من دير الزور، معاناته قائلاً: "كنت في الصف الثامن عندما بدأت الحرب. اعتقدت أننا سنعود إلى المدرسة في غضون أيام، لكنها تحولت إلى مركز إيواء ثم إلى أنقاض. حاولت العمل في وظائف بسيطة، لكن الأجور لا تكفي للعيش. وعندما فتح باب التطوع في الجيش فرحت، لكنهم رفضوني لأنني لا أملك شهادة التعليم الأساسي".

شهد قطاع التعليم في محافظة دير الزور تدهورًا كبيرًا خلال الحرب في سوريا، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي. في عام 2011، كان هناك حوالي 707 مدرسة في المحافظة، منها حوالي 50 مدرسة دمرت بالكامل، و 168 مدرسة تضررت جزئيًا، بينما بقيت 407 مدرسة فعالة ولكنها بحاجة إلى صيانة مستمرة لضمان استمرار العملية التعليمية. قبل الحرب، كان عدد الطلاب في دير الزور يتجاوز 200 ألف طالب، لكن العديد منهم توقفوا عن التعليم بسبب تدمير المدارس ونقص الكادر التعليمي المؤهل ونقص الإمكانيات التعليمية الأساسية. تشير التقارير إلى أن سوريا بأكملها تواجه أزمة حادة في التعليم، حيث يوجد حوالي 2.5 مليون طفل متسرب من المدارس، بالإضافة إلى مليون طفل آخر معرض لخطر التسرب، وتعتبر دير الزور من بين المناطق الأكثر تضررًا بسبب آثار الحرب والدمار.

أزمة إنسانية

ويتابع أيهم بحزن: "اليوم لا أستطيع إكمال تعليمي لأنني لا أملك المال، ولا أجد عملًا لأنني لا أملك شهادة. أرى أصدقائي يهاجرون، لكنني لا أريد مغادرة بلدي. نحن الجيل الذي ضحى بمستقبله بسبب الحرب، والآن يُعاقب لأنه لم يتعلم. نريد حلولاً حقيقية، لا وعودًا فارغة".

من جانبه، يرى المهندس والناشط محمد العواد، الخبير في قضايا الشباب والبطالة، أن ما تواجهه سوريا اليوم "ليس مجرد أزمة تعليم، بل أزمة إنسانية واجتماعية تهدد مستقبل البلاد". ويقول العواد لـنورث برس: "نواجه جيلاً كاملاً يعاني من فجوة تعليمية عميقة وصدمات نفسية وشعور بالإقصاء. الحل يتطلب برامج مكثفة تجمع بين التعليم الأساسي والتدريب المهني. يجب تأهيل الشباب لمهن يحتاجها سوق العمل، مثلما فعلت دول خرجت من حروب طويلة".

ويقترح العواد ربط برامج التجنيد العسكري بالتعليم والتدريب، بحيث يحصل المتطوعون على فرص للتعلم أثناء خدمتهم. لكنه يشدد على أن "الحلول تحتاج إلى إرادة سياسية وتنسيق حقيقي بين الحكومة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني". ويختتم العواد حديثه بتحذير واضح: "إذا لم نتحرك بسرعة لمعالجة هذا الملف، فإننا نخاطر بتحول جيل كامل إلى بيئة خصبة للتطرف والجريمة. إعادة دمج هؤلاء الشباب في المجتمع ليست خياراً، بل ضرورة وطنية لبقاء سوريا واستقرارها".

إن أزمة التعليم في سوريا تمثل واحدة من أخطر تبعات الحرب، إذ ولّدت جيلاً ضائعاً يفتقر إلى المعرفة والمهارات والفرص. ويرى مراقبون أن إنقاذ هذا الجيل يتطلب تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية.

تحرير: معاذ الحمد

مشاركة المقال: