تشهد الساحة السورية منعطفاً هاماً مع زيارة وفد روسي رفيع المستوى إلى دمشق برئاسة ألكساندر نوفاك نائب رئيس حكومة روسيا الاتحادية. تُوصف المرحلة الحالية بأنها "مفصلية" لمستقبل البلاد، فالزيارة تتجاوز البروتوكولات الرسمية، وتحمل ملفات سياسية واقتصادية معقدة، في مقدمتها إعادة الإعمار وتحديد معالم التعاون الثنائي في سياق جديد يتخطى تحديات الماضي.
أكدت الحكومة السورية مراراً في تصريحات سابقة عزمها على مراجعة الاتفاقيات التي أُبرمت خلال السنوات الماضية، والتي ارتبط بعضها بظروف استثنائية واتسمت بالغموض أو تعارضت مع المصلحة الوطنية. وعليه، سيتم إعادة ضبط أي تعاون مستقبلي مع موسكو على أساس واضح: المصلحة العليا للشعب السوري فوق كل اعتبار.
تشير التطورات الجارية إلى أن العلاقة بين دمشق وموسكو ستُبنى على أسس مختلفة عن المرحلة السابقة، مع التركيز على الاحترام المتبادل والشفافية، والاعتراف الكامل بسيادة سوريا ووحدة أراضيها. تسعى دمشق إلى تجاوز صورة "التبعية" نحو علاقة متكافئة تضمن مصالح الطرفين وتفتح المجال لشراكة استراتيجية أوضح وأكثر استدامة.
من أبرز الرسائل التي تبعثها دمشق في هذه المرحلة، هي أن السياسة الخارجية السورية لم تعد تعتمد على الاصطفافات الضيقة أو الاستقطابات الحادة. فبعد سنوات من الارتهان لمحاور إقليمية ودولية، تتجه سوريا اليوم نحو سياسة أكثر انفتاحاً وتوازناً مع الشرق والغرب، ضمن إطار السيادة والكرامة الوطنية. هذا التحول سيعيد رسم موقع سوريا على الخريطة الجيوسياسية، ويمنحها هامشاً أوسع في علاقاتها الدولية.
على الرغم من الثقل السياسي للزيارة، إلا أن الجانب الاقتصادي يحتل الأولوية. فإعادة الإعمار والتعافي يمثلان التحدي الأكبر أمام الحكومة السورية والشعب. لذلك، سيتم تقييم أي شراكة مستقبلية، بما فيها مع روسيا، من خلال مساهمتها في إعادة بناء البنية التحتية، وتخفيف الأعباء المالية، وتوفير فرص عمل حقيقية للسوريين. بمعنى آخر، سيكون معيار النجاح هو تحويل التعاون من شعارات سياسية إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.
إن زيارة الوفد الروسي إلى دمشق ليست مجرد محطة ثنائية تقليدية، بل هي إشارة إلى بداية مسار جديد تسعى فيه سوريا إلى إعادة ترتيب أوراقها على أسس أكثر وضوحاً وصلابة. وبين مراجعة الماضي والانفتاح على المستقبل، تبقى البوصلة السورية ثابتة نحو هدف واحد: صون السيادة الوطنية وضمان حياة أفضل للشعب.