الجمعة, 4 يوليو 2025 01:03 AM

زينة حموي ترسم مأساة سوريا الإنسانية في "قبل النجاة بقليل"

زينة حموي ترسم مأساة سوريا الإنسانية في "قبل النجاة بقليل"

نبيل مملوك – انتظرت زينة حموي حتى سقوط النظام السوري لتخرج بمجموعتها القصصية "قبل النجاة بقليل" (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- 2025)، والتي تختزل أوجاع الحرب والمآسي على المستويات النفسية والاجتماعية والإنسانية.

تضم المجموعة 17 قصة قصيرة، تتنقل بلغة قوية تعتمد على الوصف والعاطفة والواقعية، من مشاهد رمزية تعكس جراح الذاكرة السورية، إلى الحالات النفسية التي رسخها الاقتتال والشرخ الطائفي والعرقي، مما أوجد مجتمعات سورية قلقة ومكتئبة. العمل يختصر نتائج الحرب بصيغة إنسانية مرهقة، موزعة تفاصيله النصية بين جانبين خارجيين: الأول نفسي يكتب عن الإنكار والأرق والاكتئاب، والثاني اجتماعي ينسج التشرّد والفقر والتفكك المجتمعي.

زينة حموي، السورية التي أنهكها الأرق والاكتئاب، أخرجت نفسها كتابياً من تكرار سردية القتل الممنهج الذي اتبعته أطراف عديدة، وأدخلت المتلقي إلى قلب الصراع الإنساني المستدام بفعل تحول الواقع وتقدم أشكال القتل على أشكال الحياة. هذه المقاربة أعطت عمل حموي سمة التمايز والاختلاف عن أعمال أدبية وسياسية كانت بمثابة توثيق للمأساة دون أي نبرة سردية إبداعية أو تحليلية. ففي قصتها "جميلة وهناء"، دخلت حموي حكائياً إلى قلب مخيمات النازحين، لتنقّب عن الأحلام المدفونة بالاضطرابات النفسية كالذهان والاكتئاب والقلق والتقوقع في الماضي. "في إحدى زيارات رزان للمخيم أخبرتها هناء أنها تود دراسة الإخراج… وأنها ربما تصير زميلة لليث حجو"! (ص.62). استحضرت الكاتبة هنا الليث حجو كمثال على المخرج المبدع في تاريخ سوريا المعاصر، ولتعكس أيضاً حجم الدمار الذي لحق بمدينة الأحلام التي بنتها مخيلة هناء والتي تحاول ترميمها في المخيم الأزرق الأردني، المكان المغلق الذي يمثل أماناً وعاملاً مساعداً لشخصية فقدت أسرتها خلال الحرب والتهجير القسري.

لم تكن القصص القصيرة التي كتبتها زينة حموي على الصعيد النفسي تعتمد على شكل حكائي أو قصص مترابطة من حيث الأزمة والتشخيص النفسي، بل تنوعت واختلفت ظرفياً. فكاتبة قصة "فلوكسيتين" نجحت من خلال اختيار اسم الدواء المثبط للاكتئاب عنواناً لقصتها في جذب انتباه القارئ نحو مأساة يخجل في التعبير عنها أو ندبة نفسية يخاف من إظهارها والإقرار بضرورة العلاج منها، فضلاً عن ذلك، فقد ساعدتها تقنية القصص المضغوطة لشخصيات لا تربطها سوى علبة "فلوكسيتين" في رسم موزاييك الألم النفسي السوري بأشكال وألوان متعددة دون تمييز جنسي أو ذكر لتفاصيل مناطقية.

تتعاطى حموي مع الإنسان في قصصها بصفته المجردة من كل ما يدخله في أتون الصراعات والأيديولوجيات، وتأخذه نحو آلامه ويومياته المتشابهة. لوحات أثبتت من خلالها الكاتبة أن الاضطرابات النفسية الناتجة من الحرب تصنع إنساناً ينسلخ عن مجتمعه العام ووطنه بحثاً عن مجتمع.

الرؤية الاجتماعية لوطن متلاشٍ في قصة "بيت يسكن في رجل" تعطي زينة حموي وبشكل لاواعٍ الفكرة الرئيسة التي بنيت عليها المجموعة القصصية ككل، فبعد عنوانها الأساس "قبل النجاة بقليل" الذي توسلت خلاله إعطاء نصوصها ظرفاً زمنياً يرتبط بآخر مراحل الحرب السورية وذروة الأسى السوري، يأتي عنوان هذه القصة ليخبرنا عن هاجس السوري الحقيقي: "المكان". فالمكان الأكبر المتمثل بالمدينة والريف والحي والمخيم ظهر في مجموعة زينة حموي القصصية على شكل بقعة تحتبس فيها المآسي وتحاول الشخصيات الهرب منها عبر الأحلام التي كانت في حيوات سابقة حقوقاً: "هل أنت مسلح/ لا/ ولماذا أنت خارج بيتك إذاً؟/ خرجت لأجلب حليباً لطفلي الصغير ولم أستطع العودة" (ص.112). تشكل هذه الحوارية المبنية على استجواب وترهيب رؤية الكاتبة الاجتماعية إلى وطنها، المبنية على سلب الحقوق (تأمين القوت اليومي) وتحويله إلى حلم (المسألة تؤكد أنه صار بمثابة حلم)، ما يعكس خلاصة مهمة مفادها انتفاء الوطن والمواطنة، وتهشم الهوية الإنسانية التي لا يشير أي تيار أو حركة سياسية أو اجتماعية إليها.

أخبار سوريا الوطن١-النهار

مشاركة المقال: