تشهد المحافظات السورية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب استعدادات مكثفة للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول 2024. ويتجسد هذا المشهد الوطني المتكامل في فرحة الشعب الذي طال انتظاره للحرية، مؤكداً انطلاقة مرحلة جديدة من البناء والوحدة الوطنية.
يُحتفل بيوم "التحرير" كعيد وطني جديد في 8 كانون الأول 2025، إحياءً لانتصار الثورة السورية واستعادة السيادة الوطنية. وقد أعلنت الحكومة السورية أن يومي الأحد والاثنين (7-8 كانون الأول) عطلة رسمية في جميع المؤسسات والدوائر العامة، وذلك دعماً لمشاركة واسعة في الفعاليات الوطنية المتنوعة. وتشمل هذه الفعاليات أنشطة ثقافية ورياضية وفنية ومجتمعية في جميع المحافظات، بالإضافة إلى مجانية المواصلات الداخلية.
دمشق: تستضيف مهرجان "التحرير"
تستضيف دمشق اليوم فعالية مركزية كبرى بعنوان "مهرجان التحرير" في مدينة المعارض القديمة. يتضمن المهرجان عروضاً موسيقية وطنية، ومسرحيات من إنتاج فرق محلية، ومقتنيات وصور توثّق محطات مفصلية من مسيرة الثورة. كما تُعرض أفلام وثائقية تروي تفاصيل اللحظات الحاسمة في 8 كانون الأول 2024، حين سقطت آخر معاقل النظام السابق بعد معارك ميدانية حاسمة ودعوات شعبية موحّدة.
اللاذقية: تحتفي بالنصر عبر الرياضة والفن والطفولة
تحتضن اللاذقية سلسلة فعاليات متنوعة، منها بطولة الريشة الطائرة بمشاركة فِرق من مختلف المحافظات، ويوم تفاعلي مخصص للأطفال يتضمّن ألعاباً تربوية ومسرح عرائس حول قيم الحرية والوحدة. كما يُفتتح في المركز الثقافي معرضاً للفن التشكيلي بعنوان "ألوان التحرير"، يضم لوحات تعبّر عن لحظة السقوط والبناء. وتنظم أيضاً "بطولة النصر والتحرير" بمشاركة فِرق رياضية من الجيش السوري الحر، وقوات سوريا الديمقراطية، والتشكيلات المدنية السابقة، في خطوة رمزية لتوحيد الجهود الوطنية.
طرطوس: تحتفل بفعاليات بحرية وعسكرية وفنية
تستعد طرطوس للاحتفال بذكرى التحرير بمجموعة فعاليات تجمع بين الطابع العسكري والشعبي والثقافي. وأبرز ما يميّز برنامجها هو مسير للدفاع المدني على طول الكورنيش البحري، بمشاركة عناصر من مختلف الوحدات، مع عرض إنزال بحري رمزي قبالة الميناء. وفي المساء، يحيي الفنان وصفي المعصراني حفلاً فنياً في ساحة العاصي، يتخلله عروض إضاءة وألعاب نارية تُطلق من نقاط متفرقة، مع تكبيرات تعمّ المساجد. وتدعو وزارة الأوقاف إلى صلاة الفجر جماعة في عموم مساجد سوريا فجر الإثنين، تعبيراً عن الشكر والامتنان.
حمص: تجسيد روح المسؤولية قبل الاحتفال
في حمص، تحوّل الاحتفال إلى مناسبة للتعبير عن المسؤولية المجتمعية عبر حملة "حمص بأيدينا أنظف"، التي تشهد تفاعلاً واسعاً من الأهالي والطلاب والمتطوعين، حيث يشارك الجميع في تنظيف الأحياء وترميم لوحات جدارية تحمل صور الشهداء وعبارات الحرية. وتطلق المحافظة الدليل الشامل لفعاليات عيد التحرير، الذي يتضمّن جدولاً مفصّلاً لأنشطة تستمر حتى 9 كانون الأول، منها: زيارات ميدانية لمدارس حمص لشرح مفهوم التحرير للجيل الجديد، ومعرض "صور الثورة" في قاعة المحافظة، وماراثون التحرير بمشاركة رياضيين من مختلف الأعمار، ورفع الأعلام الوطنية على السواري، مع احتفالات شعبية في الأحياء.
حلب: تحتضن ماراثون "النصر" من إدلب إلى القلعة
في حلب، تنطلق اليوم الجمعة 5 كانون الأول فعالية ماراثون "يوم التحرير" رسمياً عند الساعة 10:15 صباحاً من إدلب، لتستقبله فرق من الدفاع المدني والأمن عند الحدود الإدارية لحلب عند الساعة 11:00، ثم عند دوار "الموت ظهراً" عند 12:30، بحضور شعبي حاشد. وبعد صلاة الجمعة، ينطلق المسير مجدداً باتجاه القلعة مروراً بدوار الصنم، والمحلّق، وجامعة حلب، وساحة سعد الله الجابري، ليصل إلى القلعة عند الساعة 2:30، حيث يُستقبل المشاركون بفرقة نحاسية وعروض أداء جماعي لشباب وشابات حلب بالزيّ الشعبي الممثل لمكونات المدينة. ومن أبرز الفعاليات التي تنطلق بعد الاستقبال: عرض إيروبيك وماراثون لكبار السن (تكريماً لهم)، وعرض فرقة عربية للتراث الحلبي، وإنزال شراعي رمزي فوق سطح القلعة، وتكريم رياضيين ساهموا في دعم الثورة أو عادوا من المهجر.
حماة: من الإنزال المظلي إلى المضيافات الشعبية
في حماة، تتواصل الفعاليات حتى 8 كانون الأول، وتتوزع بين حضارية وعسكرية وشعبية. ومن أبرزها: ماراثون سباق مع إنزال مظلي مهيب في ساحة العاصي، وعرض لخيول عربية في سباق تراثي يعكس التراث القَبَلي، وأنشطة لكورال "سورية" في الريف، تُردد أغانٍ للثورة والانتصار، إلى جانب ألحان من الفلكلور السوري، وتوزيع أكلات وحلويات شعبية في السلمية، ونصب الخيام وفتح المضيافات، مع تأمين حافلات لنقل الأهالي. كما تشمل الاستعدادات رفع العلم الوطني على المنازل والمؤسسات، وإقامة معارض لافتات وشعارات الثورة، وتوثيق لقاءات مباشرة مع أبطال الثورة من مدنيين وعسكريين.
درعا: تحتفي في رحاب الجامع العمري الكبير
في درعا، معقل الثورة الأولى، تُقام الاحتفالات في ساحة الجامع العمري الكبير يوم 6 كانون الأول، بدعوة رسمية من المجالس المحلية. وتشمل فعاليات "أسبوع النصر" عروضاً فنية، ومسيرات حاشدة، وندوات حول دور المرأة والشباب، مع تكريم عائلات الشهداء والأسرى المحرّرين.
"مسير التحرير": انطلاقة وطنية مركزية
بالتزامن مع هذه الاستعدادات، تنطلق اليوم تمام الساعة العاشرة والنصف صباحاً، فعاليات "مسير التحرير" في الذكرى الأولى للانتصار الوطني، برعاية وزارة الرياضة والشباب، وبمشاركة واسعة من الرياضيين والمتطوعين من مختلف المحافظات. وتهدف الفعالية إلى تعزيز الانتماء الوطني، وترسيخ قيم التضحية والصمود، إضافة إلى تكريم شهداء الوطن الذين كانوا أساس النصر وبناء مستقبل سورية الجديدة. ويشهد المسير حضوراً جماهيرياً لافتاً وتفاعلاً كبيراً من المشاركين، الذين يعبّرون عن اعتزازهم بالانتصار الوطني، ويؤكدون أن هذه الفعالية تمثّل رسالة وفاء، وتجسّد استمرار العمل من أجل سورية مزدهرة وآمنة.
رسالة وحدة وطنية وتضامن ديني
لا تقتصر الاحتفالات على الجانب الشعبي أو الفني، بل تمتد إلى لمسات دينية تعبّر عن التضامن الوطني: تدعو المساجد إلى رفع التكبيرات من 5 إلى 8 كانون الأول، كما تقرع أجراس الكنائس في المدن المختلطة، تأكيداً على أن الانتصار هو انتصار لجميع السوريين، بغض النظر عن الهوية الدينية أو الطائفية.
نحو مرحلة البناء: ما بعد الاحتفال
تؤكد هذه الاستعدادات أن سوريا تمر فعلاً بمرحلة انتقالية حقيقية، لا تقتصر على الاحتفال بالانتصار، بل تمتد إلى بلورة هوية وطنية جديدة، ومؤسسات موحّدة، ومشاريع تنموية تشمل فئات كانت مُهمَلة لعقود: الصيادون في جزيرة أرواد، الشباب العاطلون عن العمل، المرأة، والمناطق الريفية. وما من شك أن الذكرى الأولى لـ"عيد التحرير" ليست فقط لإحياء اللحظة التاريخية، بل لتذكير الجميع بأن العمل ما زال مستمراً: من أجل العدالة، من أجل التنمية المتوازنة، ومن أجل دولة مدنية عادلة تضمن كرامة كل مواطن.