السبت, 8 نوفمبر 2025 12:20 AM

سوريا تختنق بالجفاف: كارثة مناخية تهدد الغذاء والاقتصاد الوطني

سوريا تختنق بالجفاف: كارثة مناخية تهدد الغذاء والاقتصاد الوطني

تواجه سوريا واحدة من أخطر التحديات المناخية في تاريخها الحديث، حيث تعاني من أسوأ موجة جفاف منذ ستة عقود. وقد سلط الرئيس السوري أحمد الشرع الضوء على هذه الأزمة خلال كلمته في مؤتمر قمة المناخ (COP30) المنعقد في مدينة بيليم البرازيلية.

وفي حديث لـ "الوطن"، أوضح الدكتور عبد الرحمن محمد، أستاذ التمويل والمصارف في كلية الاقتصاد بجامعة حماة، أن هذه الأزمة تتجاوز كونها مجرد تحد بيئي، فهي أزمة متعددة الأوجه تؤثر بشكل كبير في الأمن الغذائي والاقتصاد وسوق العمل، مما يهدد استقرار البلاد ومستقبلها. وأكد على ضرورة تضافر الجهود بين الحكومة السورية والمجتمع الدولي للتخفيف من آثارها المدمرة.

وحول تأثير الجفاف المستمر على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في سوريا، أشار الدكتور محمد إلى أن الجفاف أدى إلى تراجع حاد في الإنتاج الزراعي، خاصةً فيما يتعلق بالمحاصيل الأساسية كالقمح والشعير. وأضاف أن التقارير تشير إلى انخفاض إنتاج القمح بنسبة تصل إلى 40%، مما يهدد الأمن الغذائي لأكثر من 16 مليون شخص، في بلد يعاني بالفعل من ارتفاع معدلات سوء التغذية. كما أثر الجفاف في المحاصيل المروية والبعلية على حد سواء، حيث تقلصت المساحات المزروعة بشكل كبير، وأصبحت الأراضي الزراعية غير قادرة على تلبية الاحتياجات الغذائية للسكان، مما يزيد الاعتماد على الواردات الغذائية ويضع ضغوطاً إضافية على الاقتصاد السوري.

وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية للجفاف على سوق العمل في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة كمصدر رئيس للدخل، أوضح الدكتور محمد أنه مع تراجع الإنتاج الزراعي، فقد العديد من المزارعين وظائفهم، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في هذه المناطق. كما أن انخفاض الإنتاج الزراعي أثر في الصناعات المرتبطة به، مثل تصنيع الأغذية وتجارة المحاصيل، مما زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية. وأشار إلى أن هذا الوضع يدفع العديد من سكان الريف إلى الهجرة نحو المدن أو حتى خارج البلاد بحثاً عن فرص عمل، مما يزيد من الضغط على المناطق الحضرية ويؤدي إلى تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية.

وأكد الدكتور محمد أن سوريا عانت من أسوأ موجة جفاف منذ عقود، مما أدى إلى تدهور كبير في الثروة الحيوانية. وتشير التقارير إلى أن الجفاف قد أثر بشكل مباشر في المراعي الطبيعية، مما أدى إلى نقص حاد في الأعلاف وارتفاع أسعارها بشكل كبير، حيث زادت الأسعار بنسبة تتراوح بين 100 إلى 300%. وتعد الأمراض التي تنتشر خلال فترات الجفاف من أكبر التهديدات للثروة الحيوانية في سوريا. ويعاني المربون من صعوبة تأمين الأدوية اللازمة لعلاج الحيوانات بسبب ارتفاع الأسعار، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض بين الماشية. وتشير التقديرات إلى أن الجفاف قد أدى إلى تراجع أعداد الثروة الحيوانية بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، فقدت المجتمعات الرعوية في شمال شرق سوريا حوالى 85% من مواشيها، مما أثر في حياة 1.3 مليون شخص يعتمدون على تربية الحيوانات كمصدر رئيسي للعيش. وتتجاوز آثار الجفاف تأثيره على الثروة الحيوانية لتشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، حيث أدى تدهور الثروة الحيوانية إلى فقدان العديد من الأسر لمصادر دخلها، مما دفعها إلى بيع المواشي لتغطية احتياجاتها الأساسية، مثل الغذاء.

وعن السياسات المطلوبة للتعامل مع التحديات الاقتصادية الناتجة عن الجفاف، أوضح الدكتور محمد أنه لمواجهة هذه الأزمة، يجب على الحكومة السورية والمجتمع الدولي اتخاذ خطوات عاجلة وشاملة، منها:

  1. إطلاق برامج دعم للمزارعين: تقديم مساعدات مالية وتقنية للمزارعين المتضررين، بما في ذلك توفير بذور مقاومة للجفاف وتحسين أنظمة الري.
  2. تعزيز إدارة الموارد المائية: الاستثمار في تقنيات حديثة لإدارة المياه، مثل إعادة تدوير المياه وتحلية المياه المالحة.
  3. تنويع الاقتصاد الريفي: تشجيع الأنشطة الاقتصادية غير الزراعية في المناطق الريفية لتقليل الاعتماد على الزراعة كمصدر وحيد للدخل.
  4. التعاون الدولي: طلب الدعم من المنظمات الدولية مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الإغاثة لتوفير مساعدات إنسانية عاجلة.
  5. التخطيط طويل الأمد: وضع استراتيجيات وطنية للتكيف مع التغيّر المناخي، تشمل تعزيز الزراعة المستدامة واستخدام الطاقة المتجددة.

وختم الدكتور محمد بالقول إن أزمة الجفاف في سوريا ليست مجرد تحد بيئي، بل هي اختبار حقيقي لقدرة البلاد على الصمود في وجه التغيّرات المناخية. ويتطلب التعامل مع هذه الأزمة تعاوناً محلياً ودولياً، وجهوداً متكاملة لتخفيف آثارها على الأمن الغذائي والاقتصاد وسوق العمل. ومع أن التحديات كبيرة، إلا أن الإرادة السياسية والتخطيط السليم يمكن أن يفتحا آفاقاً جديدة نحو مستقبل أكثر استدامة واستقراراً لسوريا وشعبها. وإن تأثير الجفاف على الثروة الحيوانية في سوريا هو تأثير مدمر، حيث يتسبب في تدهور المراعي، وانتشار الأمراض، وارتفاع تكاليف الأعلاف، ما يهدد الأمن الغذائي ويزيد من معاناة السكان. ومن الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم المزارعين والرعاة لمواجهة هذه الأزمة المتفاقمة.

محمد راكان مصطفى _ الوطن

مشاركة المقال: