الخميس, 27 نوفمبر 2025 01:29 PM

سوق الخجا بدمشق يئن تحت وطأة المستورد: حرفيون وتجار يحذرون من الكساد

سوق الخجا بدمشق يئن تحت وطأة المستورد: حرفيون وتجار يحذرون من الكساد

دمشق-سانا: يواجه الحرفيون والتجار في سوق الخجا بدمشق، المتخصص بالحقائب، تحديات متزايدة بسبب تدفق البضائع المستوردة، مما يهدد استمرارية العمل في السوق ويضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة، وذلك في ظل غياب إجراءات فعالة لحماية الصناعة الوطنية.

يدقون ناقوس الخطر

"حماية الصناعة الوطنية لم تعد خياراً بل ضرورة ملحة"، بهذه الكلمات بدأ أمين سر المجمع التجاري في سوق الخجا، خالد حديد، حديثه لـ سانا، معبراً عن قلقه من تراجع مهن توارثها الأبناء عن الآباء.

وأضاف حديد أن المنتج الوطني لا يستطيع الصمود أمام البضائع المستوردة في ظل غياب جمركة عادلة تفرض رسوماً منصفة على البضائع الأجنبية، بالإضافة إلى غياب الدعم الكافي للحرفيين المحليين الذين يواجهون ارتفاعاً كبيراً في تكاليف الإنتاج وتراجعاً في القدرة الشرائية.

وأشار حديد بأسف إلى أن العديد من الورش الصغيرة أغلقت أبوابها بعدما عجزت عن مجاراة الأسعار أو تصريف منتجاتها، موضحاً أن البضائع المستوردة تُعرض بأسعار أقل نتيجة انخفاض الرسوم الجمركية عليها، في حين يتحمل المنتج الوطني ضرائب مرتفعة وتكاليف إنتاج عالية.

وأكد حديد أنهم لا يرفضون الضرائب، فهي جزء من الاقتصاد، لكن المطلوب أن تُطبق بعدل وتوازن، حتى تحافظ الصناعة السورية على مكانتها ونبضها في هذه الأسواق.

إغلاق ورش صغيرة

يجلس باسم غزال أمام محله في السوق، الذي كان يعج بالحركة والزبائن، ويمسح الغبار عن حقيبة عرضها قرب الباب، قائلاً بحسرة: "كانت الحركة تملأ السوق، أما اليوم فتمر ساعات النهار ونحن ننتظر من يدخل ليسأل فقط، لا ليشتري".

ويضيف غزال، وهو يقلب بين يديه قطعة جلدية صنعها بنفسه، أن المنتج الوطني يواجه تحديات كبيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وعدم استقرار سعر الصرف، مما يجعل تقديم عروض منافسة للبضائع المستوردة أمراً شبه مستحيل، فهم يعملون بتكاليف تشغيل مرتفعة، بينما تدخل المنتجات الأجنبية بأقل التكاليف.

قصة غزال تتكرر مع كثيرين من أبناء السوق، ومنهم الحرفي محمد عرّاج الذي ما زال يحرص على فتح ورشته كل صباح رغم قلة الزبائن، ويقول عرّاج: "دخول البضائع الأجنبية أثر بشكل مباشر على الصناعة المحلية، وخاصة في قطاع الحقائب الذي كانت سوريا من الدول القليلة في المنطقة التي حافظت على تميزه وجودته".

ذكريات دافئة بين الجدران

لم يعد سوق الخجا مجرد مكان لشراء الحقائب الجلدية وحقائب السفر والمستلزمات المدرسية، بل تحول إلى ذاكرة دمشقية نابضة تختزن حكايات وذكريات لأجيال من أبناء المدينة.

ويقول سعيد الطيب: "كانت والدتي تأخذني إلى سوق الخجا كل عام قبل المدرسة، أما اليوم فأذهب وحدي لأشتري حقيبة للسفر بعد وفاتها، فأشعر أنني أودع جزءاً من طفولتي، فهذا المكان شهد بدايتي الدراسية، واليوم يشهد بدايتي في الاغتراب".

وتقف أم وائل أمام واجهة أحد المحال تبحث عن حقيبة نسائية تليق بها، وعند سؤالها إن كانت وجدت ما تريد، تجيب بتنهيدة طويلة: "الأسعار مقبولة، لكن لا أملك ثمن ما أريد، كنت سابقاً لا أزور السوق إلا وأشتري لي ولأختي، أما اليوم فربما أجد حاجتي على البسطات".

التهريب وارتفاع التكاليف يهددان الجلديات

حذر رئيس لجنة الجلديات في غرفة تجارة دمشق، محمد خير درويش، من تفشي ظاهرة التهريب وارتفاع تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على تنافسية المنتج الوطني في السوق المحلية.

وأوضح درويش أن كميات كبيرة من البضائع الجاهزة، ولا سيما الأحذية والحقائب والأحزمة، تدخل الأسواق عبر منافذ غير شرعية وتُعرض بأسعار منخفضة جداً، لا يمكن للمنتج المحلي منافستها، داعياً إلى تشديد الرقابة على المعابر وضبط عمليات التهريب، إضافة إلى فرض رسوم جمركية دقيقة على المهربات.

وأشار درويش إلى أن خطوط الإنتاج المحلية تعاني من صعوبات تشغيلية ناجمة عن ارتفاع تكاليف المحروقات والكهرباء، فضلاً عن عدم استقرار سعر الصرف، مما يؤدي إلى تذبذب أسعار المواد الأولية وتكبيد الصناعيين خسائر كبيرة.

ودعا درويش إلى دعم حوامل الطاقة للصناعيين والحرفيين، أسوة ببعض الدول المجاورة، لتخفيف الأعباء عن المنتج المحلي، وضمان استمرارية هذه الصناعة العريقة التي شكلت جزءاً من هوية الاقتصاد السوري.

تطورات سوق الخجا

يذكر أن بدر الدين الشلاح، رئيس غرفة تجارة دمشق الأسبق، ذكر في كتابه "المسيرة التجارية" أن سوق الخجا شُيّد في أواخر القرن التاسع عشر على سور قلعة دمشق الملاصق لسوق الحميدية، كسوق لبيع الحقائب والجلديات، وحمل هذا الاسم نسبة إلى عائلة الخجا التي كانت تدير عدداً من محاله، لافتاً إلى أن السوق تعرض لحريق كبير أتى على عدد من محاله، فبادر أصحابها بالتعاون مع الوالي العثماني آنذاك إلى وضع سقف من الحديد والتوتياء لحمايته من الحرائق، على غرار ما جرى في سوق الحميدية المجاور له.

وفي عام 1982 اتخذت محافظة دمشق قراراً بهدم السوق لأنه كان يحجب جزءاً مهماً من سور قلعة دمشق، وتم بناء السوق الجديد في شارع الثورة حيث انتقل التجار والحرفيون إلى موقعه الجديد عام 1985، ليستمر هذا الاسم حاضراً في ذاكرة الدمشقيين، شاهداً على تاريخ طويل من الحرفة والعراقة.

مشاركة المقال: