مع تصاعد الجدل السياسي في ألمانيا حول عودة اللاجئين السوريين، وبعد إعلان المستشار الألماني فريدريش ميرتس انتهاء الحرب في سوريا واعتبارها "بلداً آمناً"، تتضارب الآراء بين مؤيد لهذا التوجه ومحذر من مخاطره على الأقليات والنساء.
في برلين وحدها، يواجه 433 سورياً خطر الإلزام بالمغادرة، بينما لا يزال ملف العودة موضوع نقاش واسع بين السياسيين. وخلف هذه الأرقام، تكمن قصص شخصية مؤلمة، مثل قصة الطبيب السوري تميـم الحمّود.
"لو عدتُ إلى سوريا سأُقتل": طبيب سوري في برلين يروي مأساة عائلته
تميـم الحمّود، البالغ من العمر 39 عاماً، طبيب أعصاب وأخصائي أول في مستشفى "فيفانتس" بمنطقة رينيكن دورف، وينحدر من الطائفة الدرزية في سوريا. يروي الحمّود أن ميليشيات موالية للحكومة السورية اقتحمت منزل عائلته قبل أربعة أشهر، وأطلقت النار على والده لمجرد كونه درزياً. أما شقيقته، فنجت بعدما أُجبرت على الادعاء بأنها مسلمة، بينما اختبأت طفلتاها في خزانة وشهدتا كل ما حدث من رعب.
بالنسبة للحمّود، لا يمكن الحديث عن "سوريا آمنة". فهو يرى أن الخطر ما يزال قائماً على الأقليات، من دروز وعلويين ومسيحيين، إضافة إلى النساء اللواتي يتعرضن لانتهاكات متزايدة. ويقول: "أنا كدرزي، إذا عدت إلى سوريا سأُقتل. هذا مؤكد بالنسبة لي."
بين السياسة والواقع: انتقادات لتجاهل أوضاع حقوق الإنسان
يرفض الحمّود تصريحات السياسيين التي تصف سوريا بأنها بلد مستقر، ويعتبر أن الحديث عن "سوريا الآمنة" يتجاهل عمداً الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. لكنه في الوقت ذاته يرى أن ألمانيا لا يمكنها استقبال جميع السوريين الذين يعانون الفقر، ويؤيد ترحيل السوريين المتهمين بجرائم خطيرة.
ما يقلقه حقاً هو أن الحكومة الألمانية دعت ممثلين عن الحكومة السورية إلى محادثات حول إعادة اللاجئين. يقول: "لست ضد الحوار… لكن ما أخشاه هو أن تُهمَّش حقوق الإنسان خلال هذه المفاوضات."
433 سورياً ملزمون بالمغادرة في برلين… معظمهم لديهم "دَولْدونغ" (تصريح إقامة مؤقت)
وفقاً للنائب البرلماني عن حزب CDU بوركارد دريغر، فإن معظم حالات الترحيل لا تُنفذ بسبب عراقيل تقنية مثل غياب الوثائق أو رفض دمشق استقبال المرحلين. ويؤكد دريغر ضرورة التوصل إلى اتفاق مع سوريا لاستعادة مواطنيها الذين انتهت صلاحية إقاماتهم.
من بين 64,000 سوري تقريباً يعيشون في برلين، هناك 433 يعتبرون "ملزمين بالمغادرة"، أي ما يعادل نحو 1% فقط. من هؤلاء، 386 شخصاً يحملون "دَولدونغ"، أي أنهم مسموح لهم بالبقاء مؤقتاً، إلى أن تنقضي مدتها. ويطالب دريغر بترحيلهم بعد انتهاء صلاحية هذه التراخيص.
في المقابل، يشدد دريغر على أن السوريين الذين يعملون أو لديهم إقامة سارية لن يفقدوا وضعهم القانوني: "نحن دولة قانون… ولسنا جمهورية موز."
السوريون في سوق العمل: أكثر من 60% يعملون بعد ست سنوات من الإقامة
النائب عن حزب SPD، أوركان أوزدمير، يشير إلى أن السوريين أصبحوا جزءاً مهماً من سوق العمل في برلين: "أكثر من 60% ممن يقيمون هنا منذ ست سنوات يعملون في وظائف تُدفع عنها اشتراكات تأمين." وهي نسبة عالية مقارنة بكثير من مجموعات اللاجئين الأخرى.
أزمة لمّ الشمل: طبيب ناجح في ألمانيا… وعائلة محاصرة في سوريا
رغم حصوله على الجنسية الألمانية عام 2022 واستقراره المهني، يعيش تميـم الحمّود حالة قلق دائم على عائلته. فبعد تدمير قريتهم على يد ميليشيات مسلحة، اضطرت والدته وشقيقاته وبناتهما الثلاث للفرار إلى مدينة أكبر دون أي ممتلكات.
يحاول الحمّود منذ سنوات لمّ شمل عائلته، دون جدوى. السلطات الألمانية ترفض، بحجة أن "الحرب انتهت في سوريا". ويقول الطبيب بأسى: "وضعهم مأساوي… ليست هناك أي أمان. حتى أن بنات شقيقتي مُنِعن من الدراسة لأنهن درزيات." ورغم قدرته على إعالة أسرته بالكامل، لا تزال السلطات تصر على أن سوريا آمنة بما يكفي لرفض طلبات دخولهن.