الإثنين, 30 يونيو 2025 11:51 PM

عقوبات أوروبية تربك حسابات "الدفاع السورية" بشأن قادة متهمين بانتهاكات

عقوبات أوروبية تربك حسابات "الدفاع السورية" بشأن قادة متهمين بانتهاكات

عنب بلدي – جنى العيسى

مر شهر تقريبا على العقوبات الأوروبية التي طالت القياديين محمد حسين الجاسم، الملقب بـ"أبو عمشة"، وسيف بولاد (أبو بكر) قائد فرقة "الحمزات"، على خلفية ارتباطهما بأحداث شهدها الساحل السوري في آذار الماضي. حتى الآن، لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة السورية على القرار، أو اتخاذ إجراءات لإبعاد المعاقبين عن الجيش السوري الجديد.

بعد سقوط النظام السوري السابق، تم تعيين محمد الجاسم قائدًا لـ"الفرقة 62" وتعيين سيف الدين بولاد، الملقب بـ"أبو بكر" قائدًا لـ"الفرقة 76" برتبة عميد لكل منهما، ضمن صفوف الجيش السوري الجديد. وعلى النقيض من ذلك، التقى سيف بولاد هذا الأسبوع بمحافظ حلب، عزام الغريب، في لقاء قالت المحافظة إنه تناول سبل تعزيز التنسيق المشترك بين المحافظة والتشكيلات العسكرية العاملة في المنطقة.

لارتباطهما بأحداث الساحل

في 28 أيار الماضي، أدرج الاتحاد الأوروبي القياديين محمد حسين الجاسم وسيف بولاد على قوائم عقوباته. وذكر القرار حينها أن الكيانات التي يقودها هذان الشخصان كانت مسؤولة عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات القتل التعسفي خلال أعمال العنف التي شهدتها المنطقة الساحلية في آذار 2025.

كما أدرج الاتحاد الأوروبي على قوائم عقوباته ثلاثة كيانات، هي "لواء السلطان سليمان شاه"، الذي كان يقوده "أبو عمشة"، و"فرقة الحمزات" التي كان يقودها "سيف أبو بكر"، و"فرقة السلطان مراد"، التي يقودها فهيم عيسى، إلا أن العقوبات الجديدة لم تشمل فهيم عيسى بشكل شخصي، وإنما طالت الكيان الذي يقوده فقط.

شهد الساحل السوري خلال الفترة من 6 إلى 10 آذار الماضي، إحدى أسوأ موجات العنف منذ سقوط نظام بشار الأسد، في 8 كانون الأول 2024. وأسفرت الأحداث عن مقتل 803 أشخاص خارج نطاق القانون، وبدأت بكمين من مسلحين موالين للنظام المخلوع في الساحل السوري أو من تصفهم الحكومة السورية بـ"فلول النظام"، استهدف عناصر الأمن في الحكومة.

"الدفاع" تتجاهل

لم ترد وزارة الدفاع السورية على أسئلة طرحتها عنب بلدي، حول مدى تأثير العقوبات الأوروبية على القياديين والفرق العسكرية على خطط وزارة الدفاع، وتأثير العقوبات على الجيش الذي لا يزال في طور الإعداد والبناء، وخيارات الوزارة في التعامل مع الأشخاص المعاقبين المنضوين في الجيش السوري الجديد.

في المقابل، علقت الحكومة بسرعة على قرار أوروبي بفرض عقوبات على أشخاص مرتبطين بفلول النظام السابق لارتباطهم بأحداث الساحل. في 23 حزيران الحالي، فرض مجلس الاتحاد الأوروبي تدابير تقييدية على خمسة سوريين مسؤولين عن "انتهاكات وتجاوزات خطيرة" لحقوق الإنسان في سوريا، منهم ثلاثة أعضاء سابقين في "الحرس الجمهوري السوري" والقوات المسلحة، هم مقداد فتيحة، وغيث دلة، وسهيل الحسن.

وأشار البيان إلى تورط المعاقبين في أعمال العنف بالمنطقة الساحلية من سوريا في آذار الماضي، ودعمهم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان المدنيين، في ظل نظام الأسد السابق. كما أدرج الاتحاد الأوروبي رجلي الأعمال السوريين مدلل خوري وعماد خوري لدعمهما نظام الأسد السابق، وتمثيل مصالحه التجارية والمالية في روسيا، ومساعدته في تمويل الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية التي ارتكبت، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية.

وزارة الخارجية علقت على العقوبات الأخيرة على فلول النظام، فيما تجاهلت التعليق على العقوبات المفروضة على "أبو عمشة" و"سيف بولاد"، قبل نحو شهر. واعتبرت الوزارة أن قرار العقوبات على فلول النظام يعكس إدراكًا متزايدًا لدى الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لحجم الانتهاكات التي ارتكبتها هذه الشخصيات، ودورهم المحوري في تأجيج أحداث الساحل المؤسفة.

وأشارت الوزارة إلى أن اللجنة المكلفة من قبل رئاسة الجمهورية بالتحقيق في تلك الأحداث، أوشكت على الانتهاء من أعمالها، تمهيدًا لرفع نتائج التحقيقات ومحاسبة المسؤولين عنها إلى رئاسة الجمهورية.

مخاطر قانونية وسياسية

هناك مخاطر قانونية وسياسية على تعامل الحكومة السورية الجديدة مع أشخاص معاقبين لارتباطهم بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، وعدم اتخاذ أي إجراءات بحقهم.

الخبير القانوني والمتخصص في مجال حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، قال لعنب بلدي، إن المخاطر القانونية والسياسية تتمثل بعدة قضايا، أبرزها التأثير على فقدان الشرعية الدولية، فانضمام شخصيات معاقبة أوروبيًا إلى أي تشكيل حكومي يعزز الانطباع بأن الدولة تتجاهل الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وقد يعتبر ذلك "تبنيًا ضمنيًا" للانتهاكات المنسوبة لهؤلاء.

وقد يؤدي سلوك الحكومة هذا إلى تجميد التعاون والمساعدات، فقد يؤدي وجود أفراد مدرجين على قوائم العقوبات الأوروبية في مواقع حكومية إلى تعليق أو تقليص التعاون الدبلوماسي أو التقني من قبل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته مع الوزارات التي يعملون فيها، بحسب الكيلاني.

وهناك قضية المسؤولية المشتركة، إذ قد يستخدم هذا الانخراط لاحقًا في محافل دولية كمؤشر على المسؤولية المؤسسية أو الحكومية عن الانتهاكات، ما قد يمهد لتوسيع دائرة العقوبات أو لفتح مسارات مساءلة أمام هيئات دولية مثل لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا أو حتى المحكمة الجنائية الدولية.

من جهته، يرى الباحث المختص في الشؤون العسكرية رشيد حوراني، أن العقوبات التي طالت الأسماء المذكورة سابقًا سيكون لها أثر على الجيش السوري الذي لا يزال في طور الإعداد والبناء، خاصة من ناحية السمعة والجانب المعنوي، بعدما تشكلت فصائل الجيش الجديد بهدف حماية المدنيين من عنف قوات نظام الأسد.

كما أنها تدفع شرائح وفئات مجتمعية إلى التخوف من الجيش الجديد وقادته، بحسب ما قاله حوراني لعنب بلدي، في وقت تسعى فيه قيادة الجيش إلى ردم الهوة بين الجيش والشعب، وهذا الأمر الذي يكرره بشكل دائم وزير الدفاع، وفق تعبيره.

خطوات أخلاقية وقانونية واجبة

حول ما يجب على الدولة القيام به في هذا الملف، اعتبر الباحث المختص في الشؤون العسكرية، رشيد حوراني، أن الحكومة أمام أحد خيارين، الأول إبقاؤهم في مناصبهم فترة زمنية معينة ثم إزاحتهم عن المشهد. فيما يتعلق الخيار الثاني بتبرير الدولة لعدم ارتكابهم انتهاكات في الساحل السوري بالأدلة والوثائق، خاصة أن لجنة التحقيق لم تصدر تحقيقها بعد.

قانونيًا وأخلاقيًا، يفترض على الدولة في هذا الملف اتخاذ عدة خطوات وفق ما يرى الخبير المتخصص المعتصم الكيلاني، تتمثل بما يلي:

  • فتح تحقيق وطني مستقل: تفعيل آليات العدالة المحلية للتحقيق في الادعاءات، بما يتماشى مع مبادئ العدالة الانتقالية والمعايير الدولية، لتجنب خطر التدويل المباشر أو فقدان السيادة القضائية.
  • إبعاد الأشخاص المعاقَبين عن المناصب الرسمية مؤقتًا: وفقًا لمبدأ "تدابير الحماية"، يجب تعليق مهامهم الحكومية أو العسكرية مؤقتًا إلى حين انتهاء التحقيقات الوطنية أو الدولية.
  • التعاون مع المجتمع الدولي: إظهار الاستعداد لمشاركة الأدلة مع لجنة التحقيق الدولية، أو الاستجابة لطلبات تعاون محتملة من المحكمة الجنائية الدولية، في حال تم فتح تحقيق رسمي.
  • تبني سياسة "عدم الإفلات": تأكيد علني من الدولة بالتزامها بالمحاسبة، بغض النظر عن الموقع أو الانتماء، ما يعزز مصداقيتها أمام المجتمع الدولي.

لجنة تقصي الحقائق

في 9 آذار الماضي، شكّل الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لجنة للتحقيق بأحداث الساحل ومسبباتها، وما خلفته من قتلى في صفوف عناصر الأمن العام السوري، وانتهاكات بحق مدنيين.

تكونت اللجنة من خمسة قضاة ومحامٍ وضابط، وترفع تقريرها إلى رئاسة الجمهورية في مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ صدور القرار، إلا أن اللجنة طلبت تمديدًا إضافيًا بعد انتهاء الشهر الأول، لتقديم نتائج عملها خلال ثلاثة أشهر غير قابلة للتمديد.

المتخصص في مجال حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، المعتصم الكيلاني، أكد لعنب بلدي أن قرار الاتحاد الأوروبي بمعاقبة محمد الجاسم وسيف بولاد، يسمح بملاحقتهم قانونيًا حتى قبل صدور تقارير لجان تقصي الحقائق.

وأكد الكيلاني أن العقوبات الأوروبية ليست أداة قضائية، لكنها تستند إلى أدلة موثوقة، إذ تعتمد قرارات الاتحاد الأوروبي على تقييمات مبنية على معلومات من أجهزة استخبارات وتقارير موثوقة، وقد تستخدم كأساس لفتح تحقيقات جنائية، خصوصًا في دول تطبّق مبدأ الولاية القضائية العالمية (مثل ألمانيا، فرنسا، السويد).

واعتبر الكيلاني عدم وجود حاجة لانتظار لجنة تقصي الحقائق دوليًا، ففي القانون الجنائي الدولي، يُسمح للجهات القضائية الوطنية أو الدولية بالتصرف فور توفّر "أدلة موثوقة" على ارتكاب جرائم دولية، دون انتظار تقارير من لجان تقصي الحقائق (التي هي آلية سياسية-تقصوية وليست قضائية).

إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية مخوّلة للنظر في القضية (مثلًا بناء على إحالة من مجلس الأمن أو من دولة طرف)، يمكن لها استخدام تقارير مثل العقوبات الأوروبية كـ"أدلة سياقية" ضمن التحقيق، لكن المحكمة غير مخولة للتحقيق على الأرض السورية، بحسب المعتصم الكيلاني.

مشاركة المقال: