الخميس, 5 يونيو 2025 07:27 PM

عندان: حلم العودة يواجه واقع الدمار.. قصة مدينة سورية تبحث عن الحياة

عندان: حلم العودة يواجه واقع الدمار.. قصة مدينة سورية تبحث عن الحياة

خمس سنوات مضت منذ أن غادرت عائلة عدنان مدلج مدينتها عندان، هربًا من القصف والتدمير الذي طالها خلال تقدّم قوات النظام السابق والميليشيات الموالية له. توجّه عدنان شمالًا نحو أعزاز، حيث يقيم منذ ذلك الحين في منفى قسري داخلي لم يكن يومًا خيارًا، بل ضرورة للبقاء. ورغم سقوط النظام في المنطقة، فإن المدينة بقيت في قبضة الخراب الكامل. فالميليشيات الموالية تركت خلفها أنقاضًا لا تصلح للحياة، وبنية مدمّرة، وواقعًا لا يزال يعاني حتى اليوم.

يقول عدنان لمنصة سوريا 24: “منذ خمس سنوات وأنا أعيش في أعزاز، لكنني لم أنس لحظة واحدة من مدينتي. لا أستطيع العودة… لأن عندان لم تعد صالحة للحياة. لا ماء، لا كهرباء، لا مدارس، لا صحة. المنازل بلا أسقف، والبنية التحتية مدمّرة بالكامل”. ويتابع: “الكثير من أهالي المدينة ما زالوا موزّعين بين مخيمات إدلب، سرمدا، الدانا، أعزاز، عفرين وجرابلس، وبعضهم في دول اللجوء. الجميع يريد العودة، لكن الواقع المعيشي والخدمي يجعل ذلك أقرب إلى المستحيل”.

من رماد الدمار… مدينة بلا مقومات

الواقع الذي يتحدث عنه عدنان لم يكن توصيفًا نظريًا، بل مشهدًا عايشه الناشط ياسين أبو رائد، الذي عاد من مهجره القسري في تركيا للاطلاع على حال المدينة وأهلها. يقول ياسين لـسوريا 24: “عدنا ولم نجد شيئًا. المنازل منهوبة بالكامل. الجدران محفورة، الأسلاك مسروقة، وكل ما يمكن بيعه تم تعفيشه على يد عناصر الفرقة الرابعة”.

ويصف البنية التحتية بأنها شبه معدومة: “لا شبكات صرف صحي، لا كهرباء، حتى أغطية الريكارات سُرقت وبيعت في أسواق الخردة كقطع معدنية. .بعض الأغطية المفتوحة أصبحت خطرًا حقيقيًا على الأطفال.” ويتابع بنبرة مؤلمة: “حتى الأشجار لم تسلم. السرو والزيتون والصنوبر اقتُلعت وبِيعَت كحطب. لم يتبقَّ سوى نبعة واحدة بالكاد تعمل. ورغم هذا، لا تزال هناك محاولات فردية من أبناء المدينة يقومون بتنظيف الشوارع، تشجير الطرقات، ويحاولون إعادة الحياة بأيديهم”.

جذور الثورة وسقوط المدينة

لم تكن عندان يومًا مدينة عادية في سياق الثورة السورية. فمنذ نيسان/أبريل 2011، كانت من أوائل مدن ريف حلب التي خرجت في مظاهرات سلمية تطالب بالحرية. تحوّلت لاحقًا إلى معقل رئيسي للجيش الحر، ومركز إمداد ودعم للمناطق المحاصرة داخل حلب. لكن هذه الأهمية جعلتها هدفًا دائمًا للنظام وحلفائه.

وفي شباط/فبراير 2020، سقطت المدينة بيد قوات النظام والفرقة الرابعة وميليشيا حزب الله، بعد حملة عسكرية عنيفة شملت معظم ريف حلب الشمالي والغربي. منذ ذلك الحين، لم تُسجّل أي محاولة جدية لإعادة الإعمار، وبقيت المدينة في نفق مظلم من الإهمال والتهميش.

مجلس بلا ميزانية… ووعود بلا تنفيذ

في حديثه لـسوريا 24، قال محمود حجازي، رئيس المجلس المحلي في عندان، إن المدينة تعاني من شلل شبه كامل في جميع القطاعات الخدمية، مع نسبة دمار تتجاوز 90% من المنازل والبنى التحتية. وأضاف: “لا توجد بنية تحتية فعّالة. لا ماء، لا كهرباء، لا مخابز، ولا مدارس تعمل بشكل طبيعي. لدينا 13 مدرسة، لكن أغلبها غير صالح للتدريس”.

وبحسب حجازي، فإن عدد سكان المدينة قبل التهجير كان يُقدّر بـ 28 ألف نسمة، بينما لا يتجاوز عدد العائدين حاليًا 700 عائلة فقط. والسبب واضح: لا مقومات أساسية للحياة. وأشار إلى أن المجلس لم يتلقَّ أي دعم فعلي حتى الآن، بل اقتصر الأمر على وعود من بعض المنظمات، لم تُترجم إلى مشاريع على الأرض.

ورغم هذه الظروف، يلفت حجازي إلى بعض المبادرات المحلية، وأبرزها ما يقوم به فريق فجر التطوعي من تنظيف الشوارع، دهان الأرصفة، تجهيز المركز الصحي، وتشجير الطريق الرئيسي، بدعم محدود من الدفاع المدني. وختم حديثه بالقول: “نعمل بما نملك، وبإرادة أهل المدينة. لكن دون تدخل منظم ودعم مستدام، لن تعود عندان كما كانت.”

حياة بكرامة فقط

وسط هذا الواقع، يعود عدنان مدلج ليختصر المعاناة بنداء موجّه إلى الحكومة وكل الجهات المعنية: “نحن لا نطلب الرفاهية، فقط الحد الأدنى من الحياة. نريد أن نعود إلى بيوت تحفظ كرامتنا، إلى مدارس لأطفالنا، إلى ماء نظيف وكهرباء.. عندان تستحق أن تُبعث من جديد”.

مشاركة المقال: