الجمعة, 5 ديسمبر 2025 03:24 PM

غزة: الحرب تخلف 30 ألف معاق وتحديات تواجه إعادة تأهيلهم

غزة: الحرب تخلف 30 ألف معاق وتحديات تواجه إعادة تأهيلهم

أدت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة إلى تغيير جذري في البنية المجتمعية، مما أفرز طبقة اجتماعية جديدة من ذوي الإعاقة الحركية. بعد عامين من الحرب التي طبقت فيها إسرائيل نسقاً عدوانياً غير مسبوق، تحول هؤلاء، الذين كانوا يشكلون أقلية تحظى بالرعاية، إلى شريحة واسعة.

وفقاً لإحصائيات وزارة الصحة، تجاوز عدد ذوي الإعاقة الحركية 6000 من أصل نحو مئتي ألف جريح. تتراوح الإصابات بين فقدان طرف علوي أو سفلي، وفقدان الرؤية في إحدى العينين، والتعطّل النسبي في وظائف الأعضاء الحركية، والشلل النصفي أو الكلي.

يفيد ظريف الغرة، مسؤول «شبكة الأجسام الممثلة للإعاقة» في القطاع، بأن عدد المصابين الذين تغيرت حياتهم الطبيعية وأصبحوا بحاجة إلى مساعدة الغير وصل إلى 30 ألف شخص، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم. ويشير يحيى السراج، رئيس بلدية غزة، إلى أن المزيد من المصابين ينضمون يومياً إلى قائمة مبتوري الأطراف بسبب تدهور الرعاية الطبية وعدم توفر المتطلبات الفنية والطبية اللازمة.

محمود مطر، وهو طبيب عمل في «مستشفى الإندونيسي» شمال القطاع، يمثل نموذجاً لهذه المعاناة. أصيب مطر إصابة بليغة في قدميه نتيجة قصف، وبعد رحلة شاقة انتهت ببتر الطرفين، يقول: «أصبت جراء قصف استهدف البيت الذي كنت أبيت فيه. نقلت إلى مستشفى الإندونيسي، وأمضيت هناك ليلتين في انتظار دوري لإجراء عملية تركيب مثبت بلاتين لإنقاذ ساقيَّ. وخلال الانتظار، حاصر جيش الاحتلال المستشفى، ثم نقلت في ظروف صعبة إلى المستشفى الأوروبي جنوب مدينة غزة، حيث انفلتت في الطريق الوعرة أسياخ البلاتين من عظامي». ويضيف: «حين وصلت إلى جنوب القطاع، كان عليّ أن أوقّع على ورقة أقبل فيها بتر قدميَِّ، نظراً إلى أن حالتهما وصلت إلى مرحلة التعفّن ولم تعد الدماء تصل إليهما».

ويوضح مطر أنه خضع لأكثر من 50 عملية جراحية في غزة والخارج، لكنه لم يستطع التعافي واستخدام الأطراف الصناعية، مشيراً إلى أن الأطباء أكدوا أنه كان من الممكن إنقاذ ساقيه لو توفرت العناية الطبية المطلوبة. ويضيف: «أنا والآلاف أمثالي، بُتِرت أطرافنا لأن لا متّسع للعلاج في المستشفيات التي تزدحم بعشرات الآلاف من الحالات الخطيرة، فكان البتر أسرع الحلول لإنقاذ الحياة».

العيش في مدينة غزة وسط الدمار الهائل بات مهمة شبه مستحيلة على الأصحاء، فكيف بأصحاب الإعاقات الحركية؟

على باب مركز الأطراف الصناعية في مدينة غزة، يتجمع العشرات من مبتوري الأطراف. أسامة الغندور، شاب فقد كلتا ساقيه، يحبو على الأرض نحو بوابة المركز، ويقول: «فقدت ساقيَّ الاثنتين في استهداف أثناء محاولتي إنقاذ أحد المصابين في حيّ الشجاعية. اليوم جئت إلى مركز الأطراف على أمل أن أحصل على كرسي متحرك أو سيارة كهربائية أتنقّل بها». ويضيف: «أنا محتاج أطلع أشتغل لأني أعيل سبعة أبناء، وبدي أكسب رزقي بكرامة. في المركز أخبرونا إنو ما في إلي علاج هان في غزّة؛ تركيب قدمين بحاجة إلى خبرات وسفر إلى الخارج».

تتشابه حالة الغندور مع مئات الحالات التي تعجز الإمكانات المتوفرة في مركز الأطراف التابع لبلدية غزة عن تلبيتها. يوضح حسني مهنا، الناطق باسم البلدية، أن المركز تعرض لضغط غير مسبوق خلال عامي الحرب، حيث تلقى طلبات تركيب أطراف صناعية لـ 1700 مصاب، بينما قدم الخدمة منذ تأسيسه قبل 49 عاماً لـ 1600 حالة فقط. ويشير إلى أن «إسرائيل تمنع إدخال المواد والأجهزة المساعدة اللازمة لتأهيل المصابين»، لافتاً إلى أن المركز يقدم خدمة «تفصيل» الأطراف الصناعية السفلية، ولا يستطيع التعاطي مع مبتوري الأطراف العلوية، وحتى ما يستطيع تقديمه، تحول المقدرات المحدودة والنقص الحاد في المواد الخام دون توفيره لجميع الجرحى».

يوضح محمد حميد، الذي فقد ساقه في الأشهر الأولى للحرب، أن العيش في مدينة غزة وسط الدمار الهائل بات «مهمة شبه مستحيلة على الأصحاء، فالشوارع مُدمّرة لا يستطيع الأسوياء المشي فيها، والمنازل مُهدّمة، ولا وسائل نقل مُتاحة، فكيف بأصحاب الإعاقات الحركية؟». ويضيف: «في السابق، كانت المراكز الحكومية وحتى المحالّ التجارية مُهيّأة للمعوّقين حركيّاً، أمّا في الوقت الحالي فكل شيء مُدمّر. أنا وأمثالي، تتجاوز مشكلتنا الحصول على طرف صناعي أو كرسي متحرك، إلى مستوى أكثر تعقيداً، كل شيء نعيشه يومياً صعب وشاقّ، لا نستطيع قضاء أدنى حاجاتنا من دون مساعدة وتدخّل من العائلة».

مشاركة المقال: