أثار قرار محافظة دمشق بتحويل منطقة شبعا في الغوطة الشرقية إلى مكب للنفايات، بالقرب من التجمعات السكنية وطريق المطار الدولي، استياءً واسعًا وغضبًا بين السكان المحليين. ووصف الأهالي هذه الخطوة بأنها "إهانة للريف الدمشقي واستهتار بصحة وكرامة السكان".
عماد البني، أحد أبناء الغوطة الشرقية، صرح قائلاً: "اليوم المحافظة قررت وضع مكب نفايات على طريق المطار، وكأن الريف أرض بلا قيمة. القرار غير منطقي بيئيًا وأخلاقيًا وحتى شكليًا. طريق المطار هو واجهة البلد، والمكب سيكون وصمة عار بكل معنى الكلمة". وأضاف أن السكان فوجئوا ببدء آليات المحافظة برفع السواتر الترابية بين مدينتي المليحة وشبعا، تمهيدًا لتحويلها إلى مكب رئيسي لنفايات العاصمة، مشيرًا إلى أن العمال أبلغوا السكان بأن الموقع سيُخصص للمكب خلال أسابيع قليلة.
كما عبّر أهالي بلدتي المليحة وشبعا عن رفضهم القاطع لقرار محافظة دمشق بتحويل أرض زراعية تقع بين البلدتين إلى مكب نفايات، بعد أن تفاجؤوا بوصول آليات وسيارات قمامة تابعة للمحافظة إلى المنطقة دون سابق إنذار.
يقع الموقع المختار لإنشاء المكب وسط مزارع وبساتين خصبة، وبالقرب من طريق مطار دمشق الدولي والمناطق السكنية في المليحة وشبعا وجرمانا وعقربا، مما أثار مخاوف واسعة لدى السكان من التلوث وانتشار الروائح والأمراض، وتدمير البيئة الزراعية التي تُعد مصدر رزق رئيسي لأهالي المنطقة.
وبحسب مصادر محلية، شهدت المنطقة حالة من التوتر والاستنفار الشعبي، حيث تجمّع عشرات الأهالي والمزارعين لمنع سيارات المحافظة من إفراغ محتوياتها في الموقع، ما أجبر السائقين على الانسحاب. وأكد الأهالي أن حالة الترقب والاستنفار مستمرة، وأنهم يرصدون أي محاولة لإعادة الآليات إلى الموقع، مؤكدين أن الغوطة الشرقية لا تستحق أن تُكافأ بالتلوث بعد كل ما مرت به.
يُعرب الأهالي عن خشيتهم من الآثار البيئية والصحية لهذا القرار، حيث إن الموقع المقترح قريب من الأراضي الزراعية والمنازل، مما ينذر بانبعاث روائح كريهة وانتشار الحشرات والجرذان، فضلاً عن زيادة نشاط النباشين والكلاب الشاردة في المنطقة، وهو ما يعتبره السكان كارثة بيئية بكل المقاييس.
يقول البني: "مين بيتحمل الروائح، الأمراض، النباشين، والكلاب الشاردة؟ الناس؟ المزارعين؟ ولا حتى المسافرين يلي أول ما بيوصلوا بيشمّوا ريحة الفشل! في حلول بالعشرات، بس بدها إرادة واحترام لعقول الناس."
وفي سياق متصل، لفت عماد البني إلى أن الموقع الذي اختارته المحافظة لإقامة المكب كان في السابق مقرًا للفوج 81 العسكري، وهو موقع شهد خلال سنوات الثورة السورية انتهاكات جسيمة، من اعتقالات وإعدامات ميدانية إلى قصفٍ استُخدم ضد مناطق مدنية في الغوطة. ويضيف: "من الواجب الأخلاقي والوطني احترام قدسية هذا المكان ودماء الشهداء التي رُويت فيه، وتحويله إلى مشروع يخدم أبناء المنطقة، كمدرسة لأبناء الشهداء أو مركزٍ تنموي، لا إلى مكبٍ للنفايات".
من جهته، يرى عبد الملك عبود، من أهالي دوما، أن قرار المحافظة يعكس سوء إدارة واضحًا أو استهتارًا مقصودًا بحق الغوطة. مضيفًا: "محافظة دمشق قررت إنشاء مكب نفايات للعاصمة، ولم تجد مكانًا أنسب من غوطتها الخضراء التي تغنّى بها الشعراء وكتب عنها المستشرقون! بدلًا من إعادة تشجيرها واستعادة خضرتها، يُصرّون على زيادة بؤسها بؤس". ويتابع عبود: "تعجز الكلمات أمام هذه التصرفات، فإما أن هناك استهتارًا متعمدًا أو جهلًا فاضحًا أو سوء إدارة لا يُبشّر بأي ازدهار نُوعد به". وختم حديثه مستشهدًا بقول الخليفة المأمون عن الغوطة: "هي خير ما على وجه الأرض.. عجبتُ لمن يسكن غيرها، كيف ينعم مع فقدانه هذا المنظر الجميل الذي لم يُخلق مثله".
يؤكد سكان المنطقة أنهم لا يعارضون إيجاد حلول لمشكلة النفايات في العاصمة، لكنهم يرفضون أن يكون الريف الدمشقي مكبًّا لمخلفات المدينة. ويطالب الأهالي محافظة دمشق بالبحث عن مواقع بديلة بعيدة عن المناطق السكنية والزراعية، وبتشكيل لجنة بيئية لتقييم الأضرار المحتملة قبل تنفيذ أي خطوة ميدانية.
من جانبه، عبّر أحد أبناء بلدة شبعا عن غضبه الشديد من القرار، قائلاً: "أنا ابن شبعا، وهذا الموقع الذي اختاروه للمكب كان في السابق منصة صواريخ استُهدفت منها منازلنا وأُزهقت بسببها أرواح العشرات من أبنائنا. واليوم، بعد كل ما عانيناه، تكافئنا الحكومة ومحافظة دمشق بإقامة مكب نفايات في المكان نفسه، وكأنها لا ترى في الغوطة سوى أرضٍ صالحة للخراب". وأضاف: "هذا المشروع لا يهدد فقط صحة السكان، بل سيؤدي إلى تدمير المحاصيل الزراعية في المنطقة، ويُفشل أي إمكانية مستقبلية لإقامة مشاريع سياحية أو تنموية هنا، إذ لن تقبل أي جهة تنفيذ مشروع بجوار مكب نفايات".
يتساءل أهالي ريف دمشق اليوم لماذا يُصرّ بعض المسؤولين على تحويل الجمال إلى مأساة، والخصب إلى نفايات؟ مطالبين بتوضيح الأمر من المسؤولين والمعنيين، علّ صوت الناس يُسمع قبل فوات الأوان.