أثارت قرارات وزارة الاقتصاد والصناعة الأخيرة جدلاً واسعاً بين الاقتصاديين والصناعيين. ففي مطلع هذا الشهر، أصدرت الوزارة قرارين وُصفا بالغريبين، مما أثار تساؤلات حول مدى دراسة أبعادهما الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
القرار الأول سمح مؤقتاً (لمدة شهر) بتصدير خردة النحاس والألمنيوم، على الرغم من أهمية هذه المواد للصناعات المحلية مثل الكابلات والأسلاك وأدوات البناء. أما القرار الثاني، فقد أقرّ الاستيراد الدائم للحبيبات البلاستيكية المجددة، بالرغم من محدودية توفرها محلياً والتحذيرات من تأثيرها السلبي على الجودة والصحة والبيئة.
خلل في الأولويات
عبّر الصناعيون عن قلقهم إزاء هذه القرارات. فقد أعرب الصناعي محمد أورفلي عن أسفه تجاه هذه القرارات، معتبراً أنها بعيدة عن واقع الصناعة السورية. وأضاف في حديثه لـ “الثورة”: "في الوقت الذي تحتاج فيه المصانع إلى قرارات جريئة تُبقيها على قيد الحياة، نرى الحكومة تركز فقط على دعم بعض القطاعات، بينما تُغلق بقية المصانع أبوابها تباعاً بسبب الإهمال والتقصير".
ويرى أورفلي أن قرارات الوزارة جاءت صادمة وغير مدروسة، ولا تراعي الضغوط الحقيقية التي تواجهها المصانع في ظل ارتفاع التكاليف وقلة الدعم. وأشار إلى إغلاق مصنع الخيوط الخاص الذي شهد خسارة ما يقارب 350 عاملاً لوظائفهم، متسائلاً: "أين وزارة الاقتصاد من هذه الكارثة؟.. كيف تسمح بإغلاق مصانع بهذا الحجم الحيوي وسط غياب أي دعم حقيقي؟".
ودعا أورفلي إلى ضرورة تبني رؤية حكومية واضحة تضع الصناعيين في مقدمة الأولويات وتتبنى سياسات تحمي المنتج الوطني وتراعي ظروف الصناعة، محذراً من أن استمرار الإهمال سيزيد من اليأس والهجرة وفقدان فرص العمل، مما يُشكّل تهديداً مقلقاً لمستقبل الاقتصاد السوري بأكمله.
توازن ضروري
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي فادي ديب أن هذا التباين في سياسة الوزارة يعكس عدم وضوح الرؤية وإدارة غير متوازنة للموارد الوطنية، موضحاً: "بينما تحتاج الصناعة الوطنية إلى حماية حقيقية للمواد الخام مثل المعادن، يُسمح باستيراد مواد قد تقلل من جودة الإنتاج وتضر بالصحة العامة والبيئة، وهذا يخلق خللاً جوهرياً في ترتيب الأولويات".
وأضاف أن السياسة الاقتصادية يجب أن تراعي بشكل متكامل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع إشراك الخبراء والمعنيين لوضع رؤية تنموية شاملة تضمن استدامة الصناعات المحلية وتنميتها.
ختاماً
تتطلب المرحلة الحالية توازناً مدروساً بين حماية الثروات الوطنية، دعم الصناعة المحلية، وضمان صحة المجتمع وسلامة البيئة. والدعوة الآن موجهة لإعادة تقييم هذه القرارات بشفافية، مع إشراك الخبراء والمعنيين، لضمان أن تكون السياسات الاقتصادية دعامات حقيقية للتنمية المستدامة، لا حلولاً مؤقتة قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
إخلاص علي - أخبار سوريا الوطن١-الثورة